الحقيقة في بلدنا خيال، والخيال في وطننا حقيقة، وواقعنا سراب نغني له كما غنت أم كلثوم الأطلال، عبر الشبكة العنكبوتية تتسلل آراء وخواطر بدون قيود أو رقيب، لذا عند كل رسالة أتلقاها عبر بريدي الإلكتروني الخاص بالقرّاء، أتشرب أفكار القراء، وأستنبط منها أحوالهم وداءهم وعللهم، كما يفحص الطبيب مريضه بدقة وعناية؛ ليعرف موضع الداء ويصف الدواء، ومن أهم العلل التي وجدتها لدى قرائي أن كلاً يقرأ ويفهم على طريقته، وكلاً يجاوب على طريقته، فعند كل مقال أرى مَن يفهم كلماتي ورسالتي، وأقرأ أحيانًا كلمات تنم عن بغض وحسد وعداوة، فلم يروا إلاّ الاسم، ولم يفطنوا إلى المعنى، فإنني إنسانة مثل كل الناس، وأنثى ككل الإناث، وأرى قضية وطني مثل أي مواطنة، ولدي انتماء وطني لله ثم مليكي والوطن، كما أنني لا أمت بصلة للنظرة التقليدية المتصلبة، بأننا أغنياء متسلطون، محددو الإدراك والشعور والانتماء، فنحن مثل كل الأسر الحاكمة وغير الحاكمة في العالم، منا الغني، ومنا البسيط، والمتعلم والمثقف، والأميّ والجاهل، كما لدى كثير منا أدوار يلعبها في المجتمع بدون تسليط الأضواء علينا، كما عهدنا في إعلامنا عن هذا أو ذاك، وتسليط الأضواء على أصحاب التبرعات والجمعيات، وأصحاب البنوك، والأسر المعروفة، والناشطين اجتماعيًّا، فمنا مَن يعمل بهدوء تحت جنح الليل، بدون ضجة ولا ضوضاء، ومع ذلك لم نسلم من «الخير يخص والشر يعم»، فالكثير من الأمراء يعملون كأطباء واستشاريين وعلماء، وبالأعمال الحرة والصناعية، والأعمال الإنسانية والاجتماعية والفنية، ولكن من غير الظهور الإعلامي والاجتماعي المكثف، فعن الرسول صلى الله عليه وسلم أن صدقة السر أفضل من صدقة العلن، وعمل الخير تحت جنح الليل أفضل من المجاهرة بعمل الخير، ووضع الإعلانات في الصحف واللقاءات التلفزيونية كما في دولنا والدول الأخرى، فإنني عبر هذه الزاوية أتوجه لكل رجل وامرأة في هذا الوطن أن ينظر إلى هذه الأسرة ككيان واحد في حلل مختلفة، ورجال ونساء مختلفة أدوارهم وأسماؤهم وسماتهم، فليس من الإنصاف أن نتهم الطبيب بعدم معرفة المرض وآثاره إن لم يُبتلَ به أو يُصاب به، وليس من الإنصاف لأنفسنا أن نكره الطبيب لمجرد تشخيصه مرضنا، وليس من الإنصاف أن نطلب من الطبيب أن يداوينا إذا لم نرد الشفاء، ولا من الإنصاف من المريض أن يشكك في نزاهة الطبيب إن لم يرد أن يأخذ الدواء. فمَن نظر في عيوب غيره فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذاك هو الأحمق بعينه، فكم من صور نشرت في الصحف عن المتطوعين في سيول جدة وغيرها من الأزمات في بلادنا، رأيت فيها أخواتي وإخواني، وأبناء وبنات عمي، وبنات وأبناء أخواتي وإخواني يعملون بصمت بدون طلب ذكر أسمائهم في الإعلام، وكم من الآخرين كانوا مشغولين في الملتقيات، والاحتفالات والمناسبات الاجتماعية وأخبارهم في الصحف اليومية، فمَن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، فإن كان كل إنسان سينتظر الآخر دائمًا لإصلاح نفسه فقد فسدت الدنيا، وإن كان الآخر سينظر دائمًا بعين واحدة وجهة واحدة للمشكلة فلن نفوز. الحقيقة في بلادنا خديعة كبرى، واسم تجاري لإعلان صحافي، الحقيقة في مجتمعنا أقنعة نرتديها عندما نريد، ونبدلها عندما نريد، الحقيقة في حياتنا ما يعجبنا، الحقيقة في واقعنا قصة جميلة أسطورية نحاول أن نعيشها، والخيال في عيشتنا قصة ننسج خيوطها لتصبح كخيوط العنكبوت متشابكة، من الصعب عزلها عن الحقيقة، فباسم الحقيقة أطالب بحريتنا من العقول المتلبدة بغيوم أعمتها عن الحقيقة وأتساءل: أين ذهبت أوامر الملك من المساعدات؟ أين تطبيق أوامر الملك على «كائنًا مَن كان»؟ كيف نصل إلى هذه الحالة المتردية، وأوامر مليكنا واضحة؟ كيف نحتاج إلى مساعدات الأفراد، ولم يقصر ولي الأمر بأوامره بصرف كل ما تحتاج الأسر والأفراد والمشاريع؟ أسئلة ولكن لا ننتظر الإجابة! والنفس تعلم من عيني محدثها إن كان من حزبها أو من معاديها عيناك دلتا عيني على أشياء لولا هما ما كنت أدريها همسة الأسبوع: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: المرء في زمن الاقبال كالشجرة وحولها الناس مادامت بها الثمرة حتى اذا ما عرت من حملها انصرفوا عنها عقوقًا وقد كانوا بها بررة وحاولوا قطعها من بعدما شفقوا دهرًا عليها من الأرياح والغبرة قلّت مروءات أهل الأرض كلهم إلاّ الأقل فليس العشر من عشرة لا تحمدن امرأ حتى تجرّبه فربما لم يوافق خبره خبره * كاتبة سعودية [email protected] http://basmasaoud.blogspot.com