هذه اللفتة الحضارية - من شباب وشابات جدة - أثبتت أن ثمة وعياً يكتنز هذه العقول الشابة ، مما كان له أبلغ الأثر في إبراز ثقافة التطوع إلى حيز الوجود كمُخرج مُثمر لمبدأ التكافل الاجتماعي الذي حثنا عليه ديننا الإسلامي الحنيف ، قبل أن تكون ثقافة مستوردة لفت أنظارنا المبادرات الإيجابية التي قام ولا يزال بها شباب وشابات جدة والمتمثلة في سلسلة الأعمال التطوعية الرائدة في توجهها ، والعملية في أساليب تنفيذها ، دون الإيعاز من الجهات الرسمية بعمل ذلك ، بقدر ما كان دافعهم في ذلك ارتقاء قيم الولاء والانتماء للوطن إلى أقصى درجاتها ، والإحساس المفعم بحب الخير والسعي إلى عمله ، مستحضرين – قبل ذلك – في نفوسهم الوثَّابة التوجيه القرآني الكريم الذي يقول :[ فمن تطوع خيراً فهو خير له ]. إن الجهود الإغاثية التي دفعت هؤلاء الشباب توزعت بين مسارين مكملين لبعضهما البعض ؛ إذ توجه بعضهم إلى التنسيق مع الداعمين أفراداً ومؤسسات بضرورة تقديم معونات أساسية عاجلة تتمثل في متطلبات المأكل والمشرب والملبس والإسعافات الأولية ، فيما توجه الفريق الثاني إلى تقديم المعالجة النفسية السريعة والمتمثلة في زيارة الأسر المنكوبة ومواساتهم ، وتوزيع الهدايا والحلوى على أطفالها الذين فقدوا أهلهم وذويهم في لحظات غفى فيها الضمير الإنساني و طال أمده ، كل هذا يحدث في الوقت الذي عادت فيه محاضن التربية والتعليم في جدة ( المدارس ) إلى عملية دورانها الروتيني دون أن نلمح بارقة أمل في تفعيل هذه الثقافة كجزء من المنظومة التربوية التي نسعى كتربويين إلى زرعها في نفوس الناشئة . كُنت أتمنى أن ينتظم الطلاب في مجموعات تخرج مع معلميهم للأحياء المنكوبة عموماً ، ولمدارسهم التي طالها الضرر ، والقيام بتنظيفها وإعادة ترتيبها معضدين ذلك بزيارات مواساة للأسر المحيطة بمدارسهم بهدف التأكيد على أن من أهداف المدرسة التي تسعى إلى تحقيقها : خدمة المجتمع المحيط بها ، في أفضل استغلال للحدث المُفجع الذي مرت به جدة كمدينة ، والوطن كألم . كنت أتمنى على مدير عام التربية والتعليم بمحافظة جدة بألا تكون أول تصريحاته الإعلامية سرداً للإجراءات النظامية المُبرمجة مُسبقاً والمتمثلة في أن الدراسة ستكون في موعدها ، وأنه لا إجازات لمعلمي مدارس الأحياء المنكوبة ، كنت أتمنى عليه أن يتجاوز هذه الأُطر التنظيمية المفروغ من أهميتها والتي فُسرت من الكثير بأنها لا تتعدى أن تكون مانشيتات إعلامية بهدف إرضاء الجهات العليا في وزارة التربية والتعليم كنت أتمنى عليه بأن يسارع إلى تشكيل هذه الفِرق الطلابية تحت إشراف تربوي من المعلمين ومديري المدارس والمشرفين التربويين ، وحثها على النزول إلى ميدان العمل التطوعي كجزء من المهارات التي تهدف التربية إلى غرسها نظرياً وتكريسها عملياً في أذهان الطلاب الغضة لجني ثمارها مستقبلاً في شيوع ثقافة العمل التطوعي. ولعل الجانب المُظلم الآخر في التعامل السلبي مع الكارثة هو الغياب المميت لرجال المال والأعمال والوجهاء من أبناء مدينة جدة في المساهمة الفعالة لإعادة ما أتلفته السيول العارمة التي دكت بعضاً من أحياء مدينتهم ، هذه اللفتة الحضارية - من شباب وشابات جدة - أثبتت أن ثمة وعياً يكتنز هذه العقول الشابة ، مما كان له أبلغ الأثر في إبراز ثقافة التطوع إلى حيز الوجود كمُخرج مُثمر لمبدأ التكافل الاجتماعي الذي حثنا عليه ديننا الإسلامي الحنيف ، قبل أن تكون ثقافة مستوردة ما فتئت الجمعيات والهيئات الإغاثية العالمية أن تنادي بأن تكون جزءاً من ثقافة المجتمعات المسلمة. ومع ما تواجهه ثقافة العمل التطوعي من معوقات وتعقيدات إلا أن الأمل يحدوني بأن تكون الأيام القادمة إن شاء الله حُبلى بتوافر مناخ إيجابي تستطيع من خلاله أن تتكيف مع الكوارث وتقلبات الزمن الغادرة بوعي شامل لكل البنى المجتمعية في بارقة أمل تؤسس لمرحلة مستقبلية مُغلَّفة بالتفاؤل بأن تكون هذه الجماعات المتطوعة نواة لعمل مؤسسي يجمعها تنظيم واحد ، وتسعى إلى تحقيق أهداف مُشتركة توحيداً للجهود ليس إلا وتتمتع بهامش من المرونة التي تُحررها من القيود بهدف تطبيق الأساليب والوسائل الإبداعية التي أتمنى أن تكون هي الهاجس الذي يحركها في تنفيذ أفكارها . ملمح : صادف يوم الخامس من ديسمبر الجاري اليوم العالمي للتطوع ، فهل كانت إرادة الله أن تكون احتفاليتنا به غير هذا العام ؟ أم هو من باب الصُدف ؟