عند وداع الأبطال تتصاغر الكلمات، وتتوارى التعابير، ويصبح المرء منا في حاجة لقاموس مختلف تليق أحرفه بالرجال الذين قدّموا أرواحهم فداء الوطن الغالي. قاموس جديد في مفرداته. شريف في نقاطه، وفواصله نستقى منه ولو كلمة واحدة، تُشبعنا ونحن نترجم الفخر ونحكي العزة على سطور الورق. هذه هي البداية التي تخيّرها قلمي وأنا أحفّزه للكتابة عن بطلين من أبطال منطقة الجوف الغالية نذرا أنفسهما للدفاع عن الوطن ونالا شرف الاستشهاد فى ميدان العزة والكرامة. ولأننى أعرف مكانة هذين البطلين فى قلب أهالى منطقة الجوف ووجدانها، وأدرك تاريخهما الأسرى آثرتُ أن أكتب عنهما اليوم كلمة ترتدى ثوب الوثيقة. أرسلها لهما بعد الممات والرحيل. النقيب يزيد سند المطلق والملازم أول فهد حمد المويشير.. بطلان استمدا روح الفداء من أسر عاشقة للمملكة وإنسانها. فكلاهما من عائلة معروفة بحبها الجارف لتراب الوطن. تربيا على مهد البطولة، وكبرا وهما يرمقان بعيونهما أمن البلاد وأمانها ووقتما، دعاهم الوطن ليردوا عنه سيف العدو الغاشم، قدّما الروح قربانًا رخيصًا لعافية هذا الكيان الكبير. رحلة شريفة خاضها البطلان في الحياة ونسائم عطرة ستظل تفوح فى أرجاء منطقة الجوف إلى نهاية العمر تذكر الأجيال تلو الأجيال بشهيدين اشتريا حب الوطن وباعا من أجله ومن أجل سلامته كل الحياة. ما أعظمها البطولة التى تمنح أصحابها بريقا يخطف العيون وتتجاوزه لتمنح المنطقه التى نشأوا فيها وسام فخر وقلادة مجد ذهبية اللون. وما أعظمها الشهادة التى تنقل البطل من دنيا ضيقة الأركان إلى جنة رحبة بلا حدود ولا مسافات إن شاء الله.. وعلى الرغم من آلام الفقد والغياب التى حركت مدامع الصغير والكبير حين سماع استشهاد الأبطال الشرفاء ووداع الفرسان الى مثواهما إلاّ أن لغة مختلفة لا تعرف المواساة ولا التعزية كان الجميع يتبادلها وكأنهم يهنئون انفسهم بالشهادة، ويدعون الله أن يجعل لهم مع الأبطال الجوار والمكان. ولأننى ابنة مدينة أصيلة تعرف قدر رجالها المخلصين، وكثيرًا ما دوّنت على جدران شوارعها أسماء رموز ساهموا فى توطيد أمان المنطقة منذ زمن بعيد أمثال جد الشهيد مهند المويشير صاحب الباع الطويل فى ميادين العز والشهامة والرجولة ومن بعده ابناؤه واحفاده أناشد اليوم المسؤولين أن يزينوا جدران مدينتنا بأسماء هذين البطلين اللذىن قدّما نموذجًا صارخًا للبطولة والفداء، وودّعا الجوف بعد أن منحاها أغلى قلادات الشرف. إننى لا أملك اليوم إلاّ أن أهنئ أسرتي الشهيدين وأؤكد على سطور الورق أن رحيل المطلق الذى نهج والده اللواء سند الملازم أول المويشير رحيل إلى حياة، وأن ما قدماه سيظل محفورًا فى القلوب والأفئدة .. أهنىء الأمهات والأخوات الصابرات اللاتى لملمن جراحهن الغائرة، واستبدلن دموع الفراق ببسمة الفخر والاعتزاز وأؤكد للجميع أن الجوف ستظل حاضنة للبطولة ومهدًا للرجال الشرفاء.