إن فرصة عودة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد إلى المملكة سليماً معافى تقتضي أن تقترن مشاعر الحمد والشكر لله بالاهتمام بملف البيئة باعتبار سموه الشخصية المسؤولة الأولى عنه في المملكة. كان المرء في الماضي يشاهد أخبار العالم عبر التلفاز وقبل ذلك يستمع اليها عبر اجهزة الراديو دون ان يكترث لما يحدث في العالم من أهوال وكوارث لأنه بمنأى عنها ولا تمسه مساً مباشراً فانزلاقات ارضية في الفلبين وفيضانات في كولومبيا لكنّ التعامل معها يقتصر على كونها أخبارا يتلهى بها المشاهد وتختفي عن الذاكرة بمجرد تواريها عن الشاشة. واليوم يستشعر العالم وحده الكوارث وضرورة الاهتمام بتقليص حجمها وهو ما يعيد الى الذاكرة حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن السفينة وضرورة الضرب على يد العابث لكي لا يدفع المجتمع بأسره ثمن خطأ يقترفه عابث. فلم تعد زلازل امريكا اللاتينية أو انزلاقات شرق آسيا تقتصر على تلك الدول والشعوب بل اصبحت صناعة جماعية يسهم العالم أجمع في صنعها والمشاركة في ذنبها. وليس من المبالغة القول بأن ما شهدته جدة وخاصة حي قويزة البئيس من كارثة انما تشكل نتاجاً بشرياً جماعياً ولذلك انبرى العالم منذ فترة يحذر من ظاهرة الاحتباس الحراري واتساع فجوة الاوزون وأخيرا تقلص نسبة الجليد وذوبانها في القطبين مما سينتهي الى زيادة نسبة التصحر وضمور الرقعة الخضراء واختلال التوازن الطبيعي مما يفضي الى ظهور مزيد من الكوارث في صورة فيضانات وأمطار كارثية في مواقع وانحسارها عن مواقع اخرى تحتاجها. لذلك سعى العالم الى توقيع اتفاقية كيوتو في امريكا اللاتينية وامتنعت ورفضت امريكا الى عهد بوش وكذلك الصين والهند عن توقيع هذه الاتفاقية التي تسعى الى تقليص الغازات المنبعثة من مخلفات المصانع والمنشآت والتي تسهم بقدر كبير في توسيع فجوة رقعة الأوزون وما يرتبط بها من تقليص الحماية عن كوكبنا الارضي، واضطراباته المناخية وظهور بعض الأمراض كسرطانات الجلد وغيرها. الآن يشهد العالم اجتماع كوبنهاجن حيث وعد الرئيس الامريكي اوباما بالمشاركة فيه ولعل هذه الخطوة تشكل منعطفاً يفيد العالم في تشكيل جسر حماية وسد يصد عن المجتمع الدولي غائلة السيول والكوارث المناخية المختلفة. مشاركة أوباما تأتي امتداداً لاهتمام الحزب الديمقراطي على النقيض من موقف الجمهوريين في الادارات الامريكية حيال ظواهر التغير المناخي. ويعلم المتصلون بالأمر الجهود التي بذلها مرشح الرئاسة الأمريكي السابق آل جور في هذا الصدد وانتاجه عبر منظمات بيئية لفيلم يكشف مدى فداحة الكارثة التي يستسلم لها العالم دون ان يحرك ساكناً لمواجهة الخطر المحدق. ومن المهم ان ندرك في مجتمعاتنا ان العقيدة الاسلامية سعت الى الإسهام في الحفاظ على خصائص البيئة الطبيعية والحفاظ عليها من خلال المندوبات التي سنها الشارع فإماطة الأذى عن الطريق صدقة، والحرص على عدم الإسراف في هدر الماء حتى لاغراض نبيلة وتعبدية مثل الوضوء ولو كنت على نهر جارٍ وغير ذلك مما لا تتسع هذه العجالة لحصره تكشف مدى الوعي البيئي التقدمي الذي ترسمه عقيدتنا في معالجة ظواهر يتشكى منها العالم حاليا وتبلغ ذروتها في أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن كانت في يده فسيلة ان يغرسها ولو أوشكت أن تقوم عليه الساعة. إن فرصة عودة صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد الى المملكة سليماً معافى تقتضي ان تقترن مشاعر الحمد والشكر لله بالاهتمام بملف البيئة باعتبار سموه الشخصية المسؤولة الأولى عنه في المملكة. لا أود أن اطرح ما ينادي به بعضنا في كل مناسبة بإضافة كل ظاهرة الى قائمة المناهج الدراسية فماذا سيدرس الطالب وماذا سيدع في وقت يتجه فيه العالم او اتجه بالفعل منذ زمن الى تقليص المناهج في نطاق الاختصاص وانما اناشد الكتاب واجهزة الاعلام المختلفة لنشره كوعي بيئي اجتماعي ينتشر بيننا ونحض بعضنا بعضا على بثه ونشره لكي تتقلص المساحة المتصحرة وتزداد المساحة الخضراء التي اقامت لها الدول احزابا للحفاظ عليها كما يتوجب علينا من منظور ديني وإنساني المحافظة على المياه من جهة والمحافظة على نقاء وسلامة ونظافة البيئة من جهة اخرى. المسألة لم تعد ترفاً وانما هي قضية الرعاية والحفاظ على الأم التي تحتضننا وإلا ذهبنا صرعى الضياع.