لم تكن الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة التي هبطت على محافظة جدة يوم الأربعاء قبل الماضي حدثا عاديا، فكل الدلائل والشواهد تقول : إن ما حدث هو كارثة إنسانية بكل المقاييس، فقد ارتفع عدد ضحايا السيول حتى يومنا هذا إلى 113 قتيلا ونحو 50 مفقودا، وأوضح تقرير صادر عن الدفاع المدني أن حالات أضرار العقارات والمركبات من تلك السيول والأمطار بلغت نحو 6488 عقارا و5812 مركبة، بينما تم إيواء 5104 أسر و19950 شخصا وصرف الإعاشة ل5341 أسرة و20729 شخصا. وتسببت الخسائر في الأرواح والممتلكات والأضرار التي لحقت بالممتلكات العامة والخاصة جراء السيول والأمطار التي زادت بمعدل ثلاثة أضعاف عن المعدل العالمي لتصل إلى 90 ملم، في إحداث صدمة قوية وأثر نفسي سيئ لمواطني جدة الذين ساءهم أن تتحوّل مدينتهم الجميلة إلى مستنقعات وحفر تغمرها الأمطار والمياه الراكدة بسبب سوء التخطيط وعدم وجود شبكات سليمة أو كافية لتصريف المياه. غير أن التحرك السريع للقيادة للتعامل مع الأزمة وأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتشكيل لجنة مختصة للتحقيق وتقصّي الحقائق في أسباب فاجعة السيول قد ضاعف من مساحة الأمل لدى المواطنين بإمكانية محاسبة المقصرين وتدارك الأخطاء في المستقبل منعا لتكرارها. وقد أصبح التكاتف لإنجاح عمل هذه اللجنة ضروريا من كافة الجهات المختصة، ومن هنا ينبع الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه وسائل الاتصالات والتقنية الحديثة في هذا الخصوص، فالتقنيات الحديثة يمكن أن توضح الصورة كاملة أمام المسؤولين في اللجنة عن حجم الكارثة الحقيقي دون تهويل أو تهوين، وتوضيح الصورة يلمّ بأبعاد المشكلة من النواحي الزمانية والمكانية، كما انه يساعد كثيرا في وضع الحلول المناسبة وفقا لهذه الأبعاد. وقد تمكنت تقنيات أجهزة الاتصال كالجوال وتقنيات الانترنت من أن تقدم وثائق هامة لكارثة السيول بالصوت والصورة، فعمدت منتديات الانترنت ومواقع المدونات والشبكات الاجتماعية كتويتر وفيسبوك إلى عرض ملفات صوتية وبث مقاطع فيديو عن الكارثة بجودة عالية، كما خصص البعض مقاطع للفيديو تم تصويرها بواسطة كاميرات الجوال للبث على موقع يوتيوب الشهير، وتعامل البعض مع مقاطع الفيديو هذه بإمكانيات عالية وإخراج متميز متضمنا خلفيات تاريخية عن مدينة جدة وأزماتها مع مشاهد حية لغرقى وسيارات وعقارات وبنية تحتية متضررة أثناء السيول ومحاولات الإنقاذ التي قام بها الدفاع المدني وجهود المواطنين لإغاثة إخوتهم وغير ذلك. وقد وجد الكثيرون من سكان جدة في هذه الوسائل التقنية متنفسا للتعبير عن غضبهم، وانضم أكثر من 21 ألف عضو في موقع «فيسبوك» Facebook الالكتروني إلى صفحة أنشئت بعد كارثة السيول للتنديد والاحتجاج بتردي مرافق الصرف الصحي والبنى التحتية في جدة. وقدمت مواقع الفيسبوك أكثر من 600 صورة للوقائع، وتضمنت الصفحة التي فتحت على فيسبوك وأطلق عليها «الحملة الشعبية لحماية مدينة جدة»، دعوات عدة لاستقالة مسؤولين ومحاسبة المقصرين. وعبر نشطاء الفيسبوك عن غضبهم أيضا لبعض التقارير الأولية التي هونت من حجم المأساة، وأبرزت انتقاد وزير الإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة لوكالة الأنباء السعودية لعدم اكتراثها بمأساة ضحايا السيول. وتقدم أكثر من أربعة آلاف عضو يوميا منذ هطول الأمطار الغزيرة للتطوع ببرنامج أصدقاء جدة للعمل التطوّعي على الفيسبوك والمساهمة فيه. وتطور عمل المجموعات على الفيسبوك بشكل كبير في التعامل مع الازمة حتى أصبحت بمثابة غرفة عمليات تبث البيانات وتتلقى البلاغات وأرقام التليفونات وتوجّه واقتراحات المتطوعين وتطرح الأفكار التي يمكن من خلالها تقديم المساعدة وتخفيف الأضرار. وعند البحث عن المأساة في محركات البحث بالانترنت، نجد أن البحث عن كلمتي «سيول جدة» باللغة العربية في محرك جوجل تنتج حوالي مليون ومائتي ألف صفحة و «كارثة جدة» نحو ستمائة وسبعة وسبعين ألف نتيجة، بينما تنتج كلمة Jeddah floods في محرك «بينج» التابع لشركة مايكروسوفت ما يقرب من ثلاثمائة وأربعين ألف نتيجة. وفى موقع مقاطع الفيديو يوتيوب الشهير بإمكان المستخدمين من أي مكان بالعالم عن طريق البحث بكلمات مفتاحية مثل سيول وفاجعة وكارثة جدة باللغة العربية أو Jeddah Floods أو Jeddah Rains العثور على ما يقرب من 30 من مقاطع الفيديو المختلفة، ومن أشهر هذه المقاطع إنقاذ أسرة كاملة من الغرق في مياه السيول، بينما اهتمت أغلب اللقطات ومقاطع الفيديو في يوتيوب بتصوير لحظات الغرق وانجراف السيارات وعمليات الإنقاذ والإغاثة. وتفاعلت بعض الفيديوهات أيضا مع موضوع القضاء على الفساد ومحاسبة المقصرين إلى جانب العديد من التقارير والشهادات للأهالي عما حدث بالتفصيل. وتضم مواقع الانترنت المختلفة عشرات المئات من الصور الخاصة بكارثة السيول، فبالإضافة إلى محركات البحث العادية التي تنتج مئات الصور التي التقطها هواة عن طريق كاميرات الجوال، تفاعلت مواقع المتخصصة في عرض الصور مع الكارثة بشكل كبير، فموقع فليكر www.flickr.com على سبيل المثال تزيد حجم الصور المعروضة فيه عن 228 صورة مختلفة لأماكن متضررة من جدة وصور لانجراف السيارات وتصادم السيارات في شرق الخط السريع وغيرها. وتمثل كل هذه الوقائع والأدلة والوثائق مستندات كافية ووافية عن حجم المأساة، وبرهنت وسائل الاتصال والتقنية الحديثة بقدرتها ليس فقط على تغطية الأحداث بالشكل المطلوب وإنما أيضا مساهمتها في إيجاد الحلول وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالكثير من المتطوعين والمخططين تعاملوا مع هذه التقنيات لطرح آرائهم العلمية لوضع حل لتدهور البنية التحتية لمدينة جدة وقدم البعض منهم معلومات علمية ومشروعات تفصيلية ومستندات وخرائط توضيحية في غاية الأهمية يمكن الاستفادة منها بشكل كبير لمنع تكرار فاجعة جدة مرة أخرى.