عقدت اللجنة الوطنية المشكّلة بمرسوم ملكي كريم تجاوبًا من الأب الحاني خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- مع فاجعة جدة ليأسو -حفظه الله- جراحات المواطنين من جهة وليؤدب في حزم المقصرين والمسيئين فينالوا جزاءهم العادل من جهة أخرى ولتكون المحاسبة العادلة من الآن فصاعدًا عبرة لكل من يعتبر ولكل من تسول له نفسه استمراء الفساد المالي والإداري والتفريط في الأمانة العامة المنوطة بأعناقهم، ويأمل أهالي مدينة جدة في الله تعالى ثم في اللجنة التي وجه خادم الحرمين الشريفين برفع نتائجها أولاً بأول إليه شخصيًا وأسند رئاستها إلى إحدى أقوى وأقدر القيادات الإدارية بالمملكة سمو أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل وحملها أمانة تقصي الحقائق وتحديد المسؤوليات في الكارثة التي حلت بثاني أكبر مدن المملكة كثافة سكانية وعاصمتها التجارية وبوابة الحرمين الشريفين، يأمل أهالي جدة أن يوفق الله اللجنة في عملها ويمكنها من التوصل إلى تجلية الحقائق ووضع النقاط على الحروف ومحاسبة كل مقصر وكل مفرط في الأمانة وتقديمهم للقضاء العادل، كما يؤملون أن تكون الكارثة التي حلت بجدة بمثابة منحة من الله وإن كانت في ثوب محنة ورب ضارة نافعة وأن تشتمل توصيات اللجنة على خطة تطويرية كبرى تحدث نقلة نوعية كبرى لتصبح مدينة جدة عروس البحر الأحمر إحدى أجمل مدن العالم ومن أكثرها تطورًا ووظيفية وتصبح إحدى أفضل حواضر العالم بل ونموذجًا عالميًا يحتذى ضمن خطة تطويرية خاضعة لجدول زمني وفي فترة زمنية قياسية لتصبح بحق جدة غير بحلول عام 1440ه. خلل في البنية التحتية وإن كانت الكارثة قد كشفت عن الخلل في استعدادات البنية التحتية لمدينة جدة في قدرتها على استيعاب الأمطار والسيول فالكثير يفهمون توجيهات خادم الحرمين لتشمل جميع أوجاع جدة التي لم تزل تئن منذ عقدين تحت العديد من المشاكل أساسها عدم مواكبة البنية التحتية للنمو السكاني والتوسع العمراني بجدة، ويمكن تعداد بعض أهم المشاكل التي تواجهها جدة حاليًا على سبيل المثال لا الحصر ويتوقع أن تتفاقم عامًا بعد: أولاً: مشاكل المياه عمومًا بدءًا من تهالك محطات التحلية التي توفر المياه لمدينة جدة، خصوصًا أن تعداد السكان في المملكة عمومًا وبالتأكيد في مدينة جدة سيتضاعف بحلول عام 1440ه، وسيزداد الطلب على الماء في ظل توجهات عالمية جشعة لخصخصة الماء أحد أكاسير الحياة الذي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم (الناس شركاء في الماء والكلأ والنار). مرورًا بتسرب شبكة توزيع المياه العذبة بما يقارب 35 - 40% من المياة المحلاة باهظة التكاليف التي تضخ فيها فتذهب هباءً منثورًا، إلى تفاقم مشكلة ارتفاع مستوى المياه الجوفية التي تعوم فوقها مدينة جدة والتي لا يتجاوز عمقها عن سطح الأرض ال 15 - 25 سم في بعض الأحياء المنخفضة نسبيًا مثل أحياء البوادي والسلامة وواحات السليمانية، لا بل إن المياه الجوفية تكاد تكون بفعل التدافع الملحي بين مياه بحيرة المسك الجوفية ومياه البحر طافية على السطح بمطار الملك عبدالعزيز الدولي وربما أثرت مع الوقت على سلامة مدرجات المطار. ولا يقتصر تهديد بحيرة الصرف الصحي «المسك» لمدينة جدة على الإغراق ورفع مستوى المياه الجوفية، بل هي إن فاضت بسبب تتابع الأمطار والسيول فستتحول مدينة جدة عن بكرة أبيها إلى طامة صحية كبرى لا يعلم منتهى تداعياتها الصحية إلاّ الله تعالى. شبكة الصرف الصحي وطبعًا ثمة مشكلة المشاكل بالنسبة للمياه وهي غياب نظام متكامل لتصريف مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار والسيول الغائبة بنسبة 70% من أحياء جدة والتي كشفت هذه الأمطار الأخيرة مدى قصورها علمًا بأن جدة قبل توسعها كانت تستوعب ثلاثة أضعاف كمية الأمطار التي هطلت يوم الأربعاء 8/12/1430 ه وبلغت دون ال 100 ملم، بينما تحتفظ سجلات المناخ أن هطول الأمطار بلغ في يوم واحد بمدينة جدة عام 1368 ه إلى 173 مم دون وقوع كوارث والسبب في هذه المفارقة التي قد تبدو بادي الرأي غريبة هو عدم وجود أي عوائق في طريق التصريف الطبيعي لمياه الأمطار والسيول نحو البحر وقتذاك. ثانيًا: مشكلات ضيق الشوارع والاختناقات المرورية: كان مما هالني عندما زرت بكين عام 2008م أن شوارعها الرئيسية على كثرة العربات بها وهو أمر متوقع في مدينة يزيد عدد سكانها عن 15 مليون نسمة لم تكن أسوأ بكثير من اختناقات جدة المرورية، أحد الأسباب التي يمكن ملاحظتها بسرعة في هذا الصدد هو عظم الشوارع الرئيسية التي تبلغ ما يزيد عن ال 100م في بعض المناطق، وكثرة الطرق السالكة أو الخالية من التقاطعات المرورية المسماة بالإنجليزية «هاي واي» والمنعدمة تمامًا بمدينة جدة سوى اللهم طريق الحرمين السريع الذي يمر بجدة. 8 مليارات للاختناقات المرورية وطبقًا لما جاء في العرض المقدم من قبل المهندس زكي محمد على فارسي لصاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء بتاريخ 8 رمضان 1430 ه بأنه ثمة ما يزيد عن 100 نقطة تقاطع تحتاج إلى جسر أو نفق بتكلفة ثمانية مليارات ريال، وبين العرض بصور الأقمار الصناعية أن الاختناقات المرورية بتلك المناطق تمتد لمئات الأمتار، العرض المشار إليه منشور على النت. ولعل من أسوأ ما يصاحب الاختناقات المرورية والازدحام الشديد في مدينة جدة عمومًا وعلى خط الحرمين السريع حين مروره بجدة وما وراءها هو انتشار ثقافة الاستخفاف بالحياة البشرية بين الكثير ولا أقول بعض السائقين الذين لا يتوانون إطلاقًا عن قيادة سياراتهم بطريقة يمكن تسميتها دون تحفظ بإرهاب الطرق، ولست أشك لثانية بأن لدى الدراسات المرورية من تصوير الفيديو وسواه من التوثيق ما يؤكد هذا الاستنتاج، ومما يؤسف له أن نسبة الحوادث المرورية في المملكة عمومًا إن لم تكن هي الأسوأ على مستوى العالم فهي بين قائمة أسوأ عشر دول في نسبة وفيات المرور للسكان في العالم، وهو أمر لا يليق بأتباع دين يقول رسولهم صلى الله عليه وسلم (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم). 600 الف م 3 من الصرف بالبحر ثالثًا: تلوث الهواء والبيئة والريف البحري: شمل التلوث بمدينة جدة البر والبحر والغلاف الجوي وصل حسب تصريحات المسؤولين بالمرصد الحضري بأمانة مدينة جدة عقب الدراسات التي قام بها الخبراء الماليزيون عن تلوث الهواء والخبراء الفرنسيين عن تلوث البحر والماء مستويات عالية حدًا غير متوقع حسب القياسات المعمول بها محليًا والمعتمدة من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، بل إن هناك من المختصين والمهتمين بمستويات التلوث يؤكد أن جدة قد تجاوزت درجات تلوث الهواء فيها الحد المسموح به عالميًا. كما تصب مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية بمعدل 600,000 متر مكعب من الماء يوميًا في البحر الأحمر وذلك طبقًا لما نشر في صحيفة الحياة بتاريخ 24/6/1430 ه على طول شواطئ جدة لدرجة أن نحو 150 كيلومترًا من شواطئ جدة أصبحت ملوثة بنسبة 70%، مما يجعل من تلوث البحر الأحمر هو الأسوأ على مستوى العالم، وأن التلوث المشار إليه ليس في المياه السطحية للبحر فقط، بل يتجاوزها ليصل إلى التربة البحرية والشعب المرجانية الصخرية والعشبية التي تتربى فيها الأسماك، وأصبح الريف البحري بجدة وما جاورها عديم الفائدة للحياة البحرية، وستختفي منه الأسماك والكائنات البحرية الحية خلال السنوات القليلة المقبلة. أنظمة البناء والزلازل رابعًا: أنظمة البناء والوقاية من الزلازل: تقع مدينة جدة كما يعلم الجميع على ساحل البحر الأحمر الذي هو في الأساس شق جيولوجي كبير بين صفائح القارتين آسيا وإفريقيا وتقع في وسط البحر الأحمر، طبقًا للمعلومات المستفادة من أحد أهم خبراء الزلازل بالمنطقة د. طلال مختار عضو هيئة التدريس بكلية علوم الأرض بجامعة الملك عبدالعزيز بمعدلات تصل إلى 6 درجات بمقياس ريختر، وإن كنا لا نشعر بها في جدة وما حولها بسبب التركيبات الجيولوجية التي تمتص الموجات الاهتزازية كما تصل إلى 7 درجات بخليج العقبة. ورغم عدم وضوح الصورة الزلازلية بشكل كامل لمدينة جدة لغياب السجل التاريخي إلا أن الساحل الغربي للمملكة واقع بصفة عامة في منطقة نشاط زلزالي ضعيف إلى متوسط حسب تقييم د. طلال مختار، كما حصل تكرارًا في الجموم ووادي فاطمة وربما كان أقرب الأمثلة على النشاط الزلزالي في الذاكرة الحية ما تعرضت له منطقة العيص أو بالأصح حرة الشاقة في جمادى الأولى 1430ه والتي بلغت 4,7 بمقياس ريختر، كما أن تركيبة التربة في بعض المناطق تفاقم من أثر الزلازل رغم صغرها كما حصل في الهزة التي أصابت منطقة العتيبية بمكةالمكرمة وشعر بها الكثيرون رغم أنها لم تتجاوز 1,9 على مقياس ريختر. كل ذلك يؤكد وجوب فرض نظام بناء على جدة يأخذ بعين الاعتبار تعرض جدة لهزات أرضية متوسطة القوة خلال العقود المقبلة لا سيما وأن جدة تنتشر فيها الأبراج والأبنية العملاقة. الأحياء العشوائية خامسًا: الأحياء العشوائية: تواجه جدة زيادة مطردة في اعداد سكانها وبالتالي تزايد الطلب على المساكن مع ارتفاع في أسعار الأراضي بشكل يخرج عن قدرة غالبية الناس ممّا أدى إلى نشوء الأحياء العشوائية بسبب الاضطرار حتى تجاوز عدد الأحياء العشوائية بجدة الستين حيًا من أصل ال (106) أحياء وهذا الرقم الكبير في عدد الأحياء العشوائية يتعارض مع التخطيط المستقبلي لمدينة جدة، ناهيك عن كونه مشروع كوارث قادمة جاهزًا. هذا غيض من فيض عن أدواء جدة المزمنة التي تشمل ما هو أبعد من ذلك، نأمل أن تشمل توصيات اللجنة الوطنية الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل إضافة إلى محاسبة المقصرين في كارثة جدة إجراء الدراسات المستفيضة لجميع مشاكل جدة المزمنة، والتفضل بالتوصية بتشكيل لجنة عليا لتطوير مدينة جدة لوضع الخطط الإستراتيجية المجدولة زمنيًا حلاً لمشكلات جدة بحلول عام 1440ه لتصبح إحدى أجمل بلدان المنطقة العربية بل والعالم، والتوصية بتخصيص الميزانيات المتوافقة مع حجم التحدي، والتي لن تقل بحال من الأحوال عن 50 مليار ريال على مدى عشر سنوات المقبلة، نحو جدة 1440ه عن حق وحقيقة غير. • مدير مركز تقنيات النانو - جامعة الملك عبدالعزيز