الأمر قبل وبعد يستدعي الاستعداد لموسم الأمطار القادم ، فهل يا ترى نرى اتجاهاً إيجابياً نحو درء اخطار السيول المقبلة لهذه المدينة وغيرها؟ لم أحظ برؤية (جدة) وهي تسبح في مياه كان سكانها يشكون ندرتها حتى وقت قريب، لوجودي خارج المملكة ، ولكنني تابعت ما حصل من خلال الفضائيات ، فكان مشهد الجثث والعربات الغارقة في الأوحال مرعبا. كادت لولا لطف الله أن تزف بأهلها ومبانيها إلى (البحر) أليست هي عروس البحر ؟!. كانت العروس خلال السنوات الماضية تغرق في أمطار الخمس دقائق ، فكيف بها مع امطار (الساعات السبع)؟!. أعلم بأن ما حصل شيء مؤسف ، في نظر الجميع ، ولا أحد كان يتوقعه ، ولكنني لا أعرف أين ذهبت مبالغ الميزانيات التي خصصت لشبكات المجاري وتصريف السيول ، والتي كان يعلن عنها في كل ميزانية جديدة للدولة ، كما لا أعرف كيف لم تتنبه الشركات التي رست عليها عملية (بناء الجسور وشق الأنفاق) لضرورة عمل مسارب لمياه الأمطار وتدفق السيول ، فمنظر هذه الأنفاق وقد تحولت مثل (كوب ماء ممتلئ) كان مخيفاً ومفزعاً ، وهو إجراء لا يغيب عن عقل أي مهندس تخرج بدرجة (مقبول)، فمثل ما يستدعي وجود (مرزاب) لتصريف المياه في كل بيت ، فإن الأمر يستدعي وجود أماكن تصريف في (الأنفاق). لم تكن تلك الساعات السبع التي انهمرت فيها الأمطار سوى اختبار لمعرفة مدى صمود مدينة جدة أمام غزو أية مياه مستقبلاً ، وخصوصاً إذا ما غافلت (بحيرة المسك) جدة وأهلها ، فسقطت كل تنبؤات الحصيفين أمام الخسارة في الأرواح والممتلكات ، فما حصل حتماً سيقض مضاجع أهالي العروس ، وسينقش ( السهر ) في أجفانهم ، ولن يرتاحوا قبل أن تظهر لهم ورش الحفريات وهي تشق معظم شرقها وجنوبها بقنوات بعرض وعمق وطول ( نهر السين ) ، وليس بقناعات ( المستفيدين ) . فنتائج الأرواح التي حصدت ، والعائلات التي يُتّمت ، والمباني التي تهاوت كالبسكويت أمام المياه الضحلة ، هي نتائج مؤسفة ، لا يتحمل تبعاتها سوى الدراسات المعقدة والمضنية ، والأسلوب الممل ، واتباع سياسة البيروقراطية في التعامل مع مثل هذا الموضوع الحيوي الذي يستهدف البشر قبل أن يدمر البنية التحتية لمدينة كانت عروساً تختال بموقعها ومبانيها وبزائريها. إن ما حدث في جدة لا يوازي (عشر) ما يحدث دوماً في بنغلاديش والهند والفلبين وإندونيسيا ، وحتى في سان فرانسيسكو ، ولكن النتيجة في الأرواح إذا ما قارناها بنسبتها هذه تعد نتيجة مروعة ، ورقما يكاد يعلو خسائر تلك البلدان. أقول.. بأن القيادة الحكيمة لم تقصر يوماً في أداء واجباتها وهاهي تقف كمواقفها دوماً لنصرة أبنائها ، تكفل لهم المأوى والمأكل والمشرب كلما حل بهم قضاء ، وتقر كل ميزانية ترى فيها مصلحة البلد وأمن وسلامة المواطن ، واضعة ثقتها في رؤساء الأجهزة المعنية فيما يختص بالأمور الفنية ، ولذا فإن الأمر يقتضي مساءلة أولئك عن الأسباب التي أدت إلى غرق مدينة تعد من بين أهم المدن ، ليس في المملكة فحسب ، بل وفي العالم العربي ، فكما بذلت الدولة وأعطت بسخاء ، فإن لها الحق أن تسأل : لماذا وكيف حصل هذا ؟ لا سيما وأن خبراء البيئة أرجعوا هذه الظاهرة لقضية (الاحتباس الحراري) .. وذلك يعني أن هناك تحولاً قد يجعل من مدينة جدة ممطرة طوال العام كأيرلندا ، وبريطانيا ، وإسبانيا وغيرها. والأمر قبل وبعد يستدعي الاستعداد لموسم الأمطار القادم ، فهل يا ترى نرى اتجاهاً إيجابياً نحو درء اخطار السيول المقبلة لهذه المدينة وغيرها؟ دعواتكم.