يبقى اعلامنا بقنواته المختلفة مثالاً للاعلام المحافظ والمتزن وتلك تحسب للسياسة الاعلامية المعتدلة التي بقيت نهجاً وسمة للاعلام السعودي المبني على الاهتمام بالقيم والثوابت المستمدة من الشريعة السمحة مما اكسبه ذلك التميز صدقاً ووضوحاً وشفافية بعيداً عن التزييف والتملق والمداهنة والمواربة مما يدفعنا الى المطالبة بحضور له اكثر في وضع يتطلب تلك السمات ليستقي المواطن معلوماته عن الاحداث من منابعها الصحيحة في مواكبة سريعة يفرضها زمن يتسم برتمه السريع وحلقات اتصاله الواسعة. وإعلامنا بوسائله المقروءة والمسموعة والمرئية نراه في حاجة الى مواكبة الاحداث ومعايشة الواقع اكثر مما هو عليه وذلك على الصعيدين السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي والاجتماعي. فالوسائل المقروءة كالصحف تجدها في الغالب قد اكتفت بنقل الاخبار والاحداث من خلال وكالات الانباء والمراسلين دون ان نرى استطلاعا لآراء كبار الكتاب والمتخصصين من اساتذة الجامعات في تلك الاحداث وانعكاساتها اقليمياً وعربياً ليخرج القارئ بحصيلة علمية توقفه على الحدث بقراءة تجعله اكثر الماماً ووعياً بما يدور حوله بعيداً عن الاجتهادات والتفسيرات الخاطئة والناجمة عن غياب ذلك الدور للاعلام المقروء. وعلى الصعيد الاجتماعي هناك الكثير من الحوادث والسلوكيات التي افرزها الانفتاح الاعلامي عبر قنوات لم تجد لها خطوطا حمراء فتجاوزت الاعراف والقيم وكل المبادئ لتبث سمومها فكان من مخرجاتها العنف الاسري بكل اشكاله والوانه والانفلات الاخلاقي وانتشار الطلاق وعزوف الشباب عن الزواج ولم تجد كل تلك الاوضاع معالجة ناجعة في صحافتنا سوى من بعض الاقلام عبر مقالات حاولت تشخيص الداء تاركة تحديد الدواء لذوي الاختصاص لتبقى المشكلات قائمة دون حلول. اما على صعيدنا الثقافي فقد افتقدنا تلك الصفحات التي تعنى بالادب والثقافة نشراً وتبنياً للمواهب واحتضاناً للابداع ناهيك عن تلك المعارك الثقافية التي كانت في زمن ما رافداً من روافد المعرفة الثقافية والتي سجلت حضوراً لرواد كبار من اعلام الأدب السعودي.. وفيما يتعلق بوسائلنا المسموعة والمرئية من اذاعة وتلفاز فقد مل المستمع والمشاهد من دورات برامجية مكررة لا جديد فيها بل اعتمدت في الغالب على البرامج المباشرة ربما لانها لا تكلف شيئا لتكاد تكون جميعها نسخة كربونية تغيرت مسمياتها والشكل واحد وادى هذا التوسع في تلك النوعية من البرامج الى فقد المتلقى لنوعية من البرامج المنوعة من مسلسلات درامية وثقافية. اذكر اننا في بدايات الاذاعة والتلفزيون كنا نلمس ذلك الثراء في الانتاج البرامجي المحلي رغم قلة الامكانيات لكنها بتميزها وتنوعها استطاعت في تلك الحقبة ان تجذب المستمع والمشاهد من خلال ما اتسمت به من التشويق والامتاع والابداع. وحقيقة لا اعلم سر احجام التلفزيون بالذات عن انتاج المسلسلات التي تحاكي واقعنا الاجتماعي وخلو دوراته البرامجية من برامج المنوعات التي لو وجدت لاغنت المشاهد عن متابعة تلك القنوات وبرامجها الغثة. حتى اطفالنا حرموا من برامجهم التي كانت تنتج محلياً في تنافس جميل بين محطات التلفزيون السعودي ليجد فيها الاطفال المتعة والثقافة والفائدة وقد استبشرنا بقناة اجيال التي يبدو انها ستلحق بالركب وتعتمد على البرامج المعلبة.. نحن بحاجة فعلا الى دور اعلامي اكثر فاعلية واكثر مواكبة واكثر متابعة وملاحقة للاحداث عبر كل القنوات. اعلام يتسم بالمحلية فكراً وابداعاً وانتاجاً ليستطيع محاكاة واقعنا ويعالج بوعي اكثر مشكلاتنا ويسعى بجدية نحو تحقيق اهدافنا فالحركة الاعلامية ونعني بها حركة التجديد تمضي في العالم مواكبة لحركة التحديث في التقنيات المسابقة للزمن في انطلاقة لم يشهد لها مثيلا مما يعني ان امام اعلامنا تحديات جسيمة يجب ان يعد لها الاعداد الجيد على كافة الاصعدة ليس خوفاً من تخلفنا عن الركب بقدر ما هو وعي وادراك لمتطلبات المرحلة الراهنة والقادمة.