أبي يعشق الزراعة، ويتفنن في الاعتناء بمزرعته الشاسعة؛ حتى أنه يحضر المهندس الزراعي للاطمئنان على أشجاره باستمرار، فجأة أصيب العام الماضي بمرض في القلب، ونصحه الطبيب بالسكن في المدينة بالقرب من عيادته ليتسنى إسعافه في الوقت المناسب؛ فانتقلنا للعيش مع أبي في المدينة واستطعت الالتحاق بتخصصي الذي طالما كان حلماً يراود مخيلتي ويثير قلقي عدم وجوده ضمن أقسام الكلية المجاورة لقريتنا، الآن أشعر بالسعادة والإثارة في المدينة الصاخبة المليئة بالحياة والأزياء والمطاعم والناس، أبي لم يعجبه من ذلك شيء، فهو في إشد الحنين للطبيعة البكر والشمس الذهبية الناعسة والمطر ويكاد أن يسقط فريسة للاكتئاب؛ نصحنا الطبيب بأن نحضر له نباتات الزينة البلاستيكية كي يتحسن مزاجه ويستعيد ذكرياته الخضراء في القرية، فرح أبي فرحًا عظيمًا وأخذ يقضي الأوقات الطويلة في مهامسة تلك النباتات ويعتني بها؛ ما بعث الراحة في أنفسنا وانصرفنا لشئوننا اليومية، الشمس تغادر الطرقات والأرصفة، الناس يعودون لبيوتهم منهكين. وقد قررت أن أقضي ساعة إضافية في مكتبة الكلية للحصول على بعض المعلومات العلمية في مادة الأزياء التي أدرسها، المكتبة واسعة جدًا عندما تكون خالية من الطالبات؛ مما يشجع على البحث في هدوء، لم يطل شعوري بالارتياح إذ كانت الخادمة تتصل وهي قلقة، حيث إن أبي يبكي ويطلب العودة للقرية، تركت كل شيء وخرجت من المكتبة مسرعة نحو بيتنا، وقد وصلت والطبيب معًا في نفس الوقت، كان أبي يقول للطبيب سأعود للقرية فقد أصبح أبنائي في المدينة أشجار زينة لا تثمر مهما نالت من العناية.