هل مرَّ بك ذلك الزائر الثقيل وأيقظ مضجعك؟ هناك موجة حزن عابرة قد تزورك فجأة وتغزو حياتك، تأتي بأسباب دنيوية ظاهرة وأحياناً دون أسباب، تمر على روحك كغيمة سوداء مثقلة الحمل، تهطل داخلك رغماً عنك، فتنطفئ معها روحك وتخفت مشاعرك ويضيق فكرك ولا تفتأ تبحث عن ذلك القَبَس الذي أدى إلى اشعال نارها في جوفك! وقد تنزوي بين ظلماتها بعيداً عن العالم لفترة حتى تتجاوزك بهدوء فتعود حياتك إلى مجراها الطبيعي وكأن شيئاً لم يكُن! ذلك الحزن لم يَسلَم منه خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم فما بالك بحالنا نحن البشر الضعفاء أيتركنا دون عبور! ما دمت أحد ساكني كوكب الأرض فحتماً ستمر بك تلك السحابة الشاحبة يوماً ما، ستحزن وتتألم، ستعيش تجارب قاسية وحياة مزدحمة بالمشاعر المتشابكة، فما أصعب أن تُخفي مشاعر الحزن وتدّعي القوة وداخلك بركان هائج لو وجد ثقباً صغيراً لأذاب الكون بأكمله. ما هو الحزن؟ ذكر الفيلسوف الكندي تعريفاً بسيطاً للحزن فقال "هو ألم نفسي عصيب نتعرض له مع فقد المحبوبات وفوت المطلوبات" وللحزن جانب مُضيء فهو تطهير للذات ونضوج مُبكر للوعي، فلا يمكن تحقيق الوصول السريع للنضج الذاتي وصلابة البناء الشخصي بدون جرعات من الألم، فوجود الحزن مهم لحياة صحية متكاملة ولاستشعار معنى الفرح والسعادة، فقيمة الحياة تبرز بالتضاد والاختلاف في كل جوانبها، فلا جمال لضوء الصباح دون ظلام الليل. لنتأمل قليلاً ذلك الزائر الثقيل؛ ونبحث عن أنسب الطرق للتقليل من زمن مكوثه داخلنا أو حتى اقناعه بتغيير اتجاه بوصلته بعيداً عنّا.. الخطوة الأولى تكمن في تعويد النفس على التعامل مع الحياة كمتغير غير ثابت، وأنَّ كل ما فيها مصيره إلى الزوال (فلا ديمومة في الحياة) فذلك يُعد من أنجح الطرق لمواجهة موجات الحزن والتقلبات المُتغيرة، والخطوة الثانية للتجاوز كما ذكرها الفيلسوف (بئتيوس) تقوم على "أن الإنسان هو سيد نفسه، وأنه الأقدر على التعامل مع هزائمه وكبواته بقواه الداخلية التي يمتلك مفاتيحها بالفعل، مع إبراز أهمية العقل كركيزة أساسية لتوفير الأمان في مواجهة الألم النفسي، محذرين إجمالًا من الوقوع تحت "سطوة الحزن". وبعدها ننتقل إلى خطوة (التفريغ) وعدم كبت تلك المشاعر داخل الفكر، فسرد الانسان كل ما يشعر به من حزن لمن يُحب وحتى إن كان لنفسه سيساعده على التجاوز السريع لهذا الألم، وأيضاً من الخطوات الناجحة للتجاوز هي استخدام طريقة (التعافي بالمآسي) وهي ادراك الانسان أنه ليس وحده من يُعاني ويتألم في الحياة، فتأمل آلام الآخرين من خلال القصص بإمكانها أن تواسي الإنسان وتُقلّل من وطأة الألم عليه، قال تعالى مخاطباً نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}. وبعدها تأتي خطوة ملء الفراغ، فعند شعور الانسان بقُرب اجتياح الحزن يقوم بتبديده وذلك بممارسة ما يُحب من هوايات فلا يدَع له طريقاً إليه مما يؤدي إلى مروره بسلام. وأخيراً والأهم اليقين التام بأن العالم لا تسيِّره الصُدف بل هي أقدار مكتوبة مسبقاً بحكمة إلٰهية عظيمة رُسمت بدقة ورحمة لتتناسب مع قدراتك البشرية المحدودة لذلك ثِق أنّ كل ما اصابك هو في حدود امكاناتك على المواجهة والتجاوز والتعايش، فلن يُكلف الله نفساً بما يفوق وسعها.