لا يكاد يخلو حديث أبناء محافظة الكامل، المقيمين في المدن الأخرى، من وطننا الغالي، من حديث الذكريات، الذي سكن وجدانهم، فعبروا عنه بمداد أقلامهم، وأشعارهم، ورسوماتهم، فما خلت وسائل التعبير من آهاتها، فأخذهم الوجد لموطن المهد، الموطن الذي شهدت فيه الدنيا صرخاتهم، وأبصرت فيه الدنيا أبصارهم، وسمعوا فيه الحق يصدح في آذانهم، فشربوا ماءه، وتنفسوا هواءه، وافترشوا أرضه، والتحفوا سمائه، ما أجمل الحنين لدفء بيوت الطين، وباسقات البساتين، وانفاس الرياحين. لعل من اختار المهجر له أسبابه ومبرراته. يعي ذلك من شهد تلك الحقبة الزمنية، فقد شهدت المحافظة هجرة كثير من أبنائها، فرضتها عليهم ظروف المرحلة، وإن كانوا لا يريدون فراقها، خشية أن يحصل بينهم وبينها الجفاء، مع طول مدة الغياب، وتوالي السنين، وأكثر من غادرها، يمني نفسه بالعودة إليها قريبًا، سيما أن هجرتهم أصبحت حتمية.. فمن انتهى بأبنائه التعليم في مدارس القرية، اضطر مرغمًا إلى الهجرة نحو المدن، حيث الجامعات والكليات.. ومن ضاقت به سبل العيش، لضيق ما في اليد، وقلة الفرص في قريته، حينها خرج مهاجرًا من شظف العيش، إلى رحابة الفرص، الوظيفية والتجارية، في المدن.. ومن ضاق ذرعًا بسوء الخدمات وانعدامها، في تلك الفترة؛ فلا يوجد كهرباء، ولا اتصالات، ولا طرق معبدة، ولا يوجد ما يرضي طموحه، كان أشدهم نكالا، وزهدًا في قريته، فاستعجل الذهاب إلى سبل الراحة، ومغريات العصر في المدن، لأنه ما عاد يحتمل انتظار وصولها إليه، وغادرها مغادرة الغاضب الشامت بها، ومنهم من هو بين بين، يغادرها حينًا، ويمكث فيها حينًا، ولا سيما من يطلبون العلاج، من أمراض تحتاج أطباء ومشافي كبيرة! هذا هو تشخيص لبعض واقع المجتمع، ويحكي بعض، أو جل، أسباب هجرة السكان من قراهم. ولكن... ماذا لو لم تعد هذه الأسباب موجودة؟ نعم... فبفضل من الله، ثم بفضل دولتنا الرشيدة، حماها الله، وبرؤية ثاقبة وتوجيه ومتابعة من أمير منطقة مكةالمكرمة، مستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وسمو نائبه حفظهما الله، أضحى ما ذكر آنفًا من الماضي، فمدارس المحافظة، والمراكز التابعة لها، وجميع القرى التابعة للمراكز اليوم؛ مبان حكومية، وفق المواصفات والمعايير، للبنين والبنات، مع توفر رحلات لنقل الطلاب، وجامعة تستوعب خريجي المرحلة الثانوية، من أبناء المحافظة، ومستشفى عام، ومراكز للرعاية الصحية الأولية، في جميع مراكز المحافظة، وقراها، تقدم خدماتها للمواطنين.. ونقلة نوعية، في جانب الخدمات؛ الكهرباء، والاتصالات، والطرق واكتمال العديد من الإدارات الحكومية، التي تقدم خدماتها لمواطني المحافظة.. ماذا بعد ذلك؟ ألم يأخذنا الشوق والحنين نحو الديار وذكرى الأطلال.. لا يعرف الشوق، إلا من يكابده ولا الصبابة، إلا من يعانيها كثير منا، جاهز اليوم، ليعود ادراجه، ويحط الرحال في دياره، وينعم بما حباها الله من خير، وبما بذلته دولتنا الرشيدة، من ا إنجازات، ومشروعات، لتيسير سبل العيش الكريم الرغيد، لأبناء المحافظة، ولا يخفى على كل ذي لب، أن الهجرة العكسية؛ من المدينة إلى القرية، بعد أن أصبحت القرى تفوق المدن، في كثير من المزايا يحقق مكاسب، تبدأ بك أنت أيها المواطن، وتمتد بالنفع لغيرك، فدعونا نستعرض شيئًا من المكاسب المتوقعة: ففي الجانب الاقتصادي للفرد والأسرة، نجد أن فاتورة المعيشة في القرية، أقل كلفة منها في المدينة سواء؛ في تكاليف السكن، أو المواصلات، أو المعيشة، أو العلاج، ونحوه.. وبذلك يسهم فارق التكلفة، في زيادة دخل الأسرة، واستقرارها المالي بما يخفف الأعباء المالية الملقاة على عاتق رب الأسرة وعلى وجه الخصوص المتقاعدين.. ومن المكاسب الاجتماعية، ما يتمثل في التواصل، والترابط، بعودة الأقارب لمناطقهم تزيد أواصر التواصل والتلاحم والتعاون فيما بينهم.. وعلى جانب الاستثمار الأمثل للمشاريع، والخدمات المقدمة، وإيقاف الهدر نجد مشاريع شيدت من أجل المواطن وكلف تشييدها ملايين الريالات، ولا أدل على ذلك المباني الحكومية والمدارس ليستفيد منها عدد قليل جدًا، وهي مهيأة اليوم، لاستقبال أبناء المنطقة.. وفي جانب الرعاية الصحية ومع توفر مراكز الرعاية الصحية، و قلة المرتادين لها، يحظى الفرد، والأسرة، برعاية صحية مجانية أفضل، وهو ما لم يكن متيسرًا مع طوابير الانتظار، ولا سيما في المدن الكبيرة.. وعن المكاسب العامة للمحافظة ا إجمالا، كلما زاد عدد سكان المحافظة، زاد حجم الدعم، والإنفاق، على المشروعات، وسوف تشهد المحافظة، فرصًا استثمارية، وتجارية، يعود نفعها على الجميع، مما يسهم في تطور المحافظة، في جميع النواحي. وأخيرًا... لو أطلقت لقلمي العنان، لكي يكتب في جنبات هذا الموضوع الخصب لما أحطت به، ولكن هي إشارات لعل الله ينفع بها. سنعود! وإن دار الزمان، وخلا المكان، من بعض من فيه كان.