كشف عدد من المسؤولين بأمانات المجالس البلدية أن البحث عن العمل وتحسين مستوى الدخل يتصدر أسباب الهجرة إلى المدى الكبرى بالإضافة إلى البحث عن فرص التعليم الجامعي والحصول على الخدمات الصحية المتطورة والمتخصصة. وأشار المسؤولون إلى أن تشجيع الاستثمار في المناطق الطاردة وتأمين الخدمات الصحية، علاوة على إنشاء مشاريع تنموية جديدة تتواكب مع النهضة الاقتصادية كإنشاء المدن الصناعية والاقتصادية تُمثِّل عوامل مهمة لإيقاف الهجرة إلى المدن الكبرى. وأكدوا على ضرورة تكثيف الجهود وتبني خطط إستراتيجية للتشجيع على الاستيطان وتحدُّ من الهجرة للمدن الكبرى.. والتحقيق التالي يكشف المزيد من التفاصيل حول أسباب الهجرة إلى المدن الكبرى وسبل إيقافها. تحسين مستوى الدخل كشفت دراسة للدكتور محمد بن سليمان السكران الأستاذ بجامعة الملك سعود بالرياض بعنوان: (حجم الهجرة الداخلية ومحدداتها وآثارها بالمملكة) بمشاركة الدكتور صديق الطيب منير محمد أن المجتمع السعودي شهد في السنوات الأخيرة نمواً مطرداً وملحوظاً في المدن والمراكز الحضرية الكبيرة على حساب القرى والمدن الصغيرة، مما أثَّر في التوزيع الجغرافي للسكان بين المناطق الإدارية، وعلى مستوى المنطقة الواحدة بين الريف والحضر، وبالتالي التأثير على السمات والعملية السكانية، وقد هدفت الدراسة إلى فهم الهجرة الداخلية، ومن ثم توفير بيانات دقيقة تساعد القائمين على أمر التنمية بصورة عامة والتنمية الاجتماعية خصوصاً على اتخاذ القرارات المناسبة والتخطيط السليم، وأوضحت نتائج الدراسة التي أُجريت في مناطق الرياض ومكة والشرقية والباحة وجازان وحائل وجمعت بيانات الدراسة من عينة عشوائية مكونة من 3000 أسرة من السكان السعوديين واستخدمت الدراسة طريقتي مكان الميلاد ومكان الإقامة قبل 5 سنوات لحساب معدلات الهجرة.. أن هناك هجرة داخلية بمعدلات مرتفعة بين المناطق الإدارية، كما أبانت أن العوامل الاقتصادية متمثلة في البحث عن العمل وتحسين مستوى الدخل هي أهم أسباب الهجرة الداخلية، تليها بعض العوامل الاجتماعية مثل الالتحاق بالتعليم الجامعي والحصول على خدمات صحية جيدة. وأشارت الدراسة إلى أن المهاجرين أفضل تعليماً وأصغر عمراً من غير المهاجرين بتلك المناطق، مما يعني فقدان تلك المناطق لأكثر الكوادر البشرية قدرة على المساهمة في عملية التنمية. وأوصت الدراسة بتشجيع الاستثمار في المناطق الطاردة لإيجاد فرص عمل بها، وتحفيز القطاع الخاص لتوظيف القوى العاملة السعودية، كذلك العمل على قيام - على الأقل - جامعة حكومية في كل منطقة إدارية، وتشجيع قيام الجامعات والكليات الأهلية في المناطق الطاردة لاستيعاب الذين يهاجرون بحثاً عن فرص للتعليم الجامعي.. كما أوصت على تحسين الخدمات الصحية بالمناطق الطاردة لتقليل أعداد الذين يذهبون للاستشفاء في مراكز العلاج الرئيسة بالمدن الكبيرة، وأوصت كذلك بتحسين الخدمات الزراعية للمزارعين لتحسين دخولهم، كما أوصت بتمويل الأنشطة المدرَّة للدخل لتشجيع التوظيف الذاتي. بيئة تعليمية وصحية ويشير الأستاذ عبد الله بن سليمان البرادي أمين المجلس البلدي لأمانة منطقة القصيم إلى أن انتقال المواطن من القرى للمدن كان قبل سنوات حلماً يراود كثيراً من سكان القرى لأسباب عديدة منها: قلة المدارس بمختلف مستوياتها وكذا الخدمات وقلة فرص العمل وعدم توفُّر الأسواق التي يجد فيها المواطن حاجياته من السلع وعدم اتصال المدن بالقرى عبر شبكة من الطرق، ولذلك كله وغيره كان المواطن يطمع في الرحيل عن القرى إلى المدن بحثاً عن مكان آمن تتوفر فيه كل المظاهر الحضارية التي يحتاجها في يومه وليلته. ويضيف: بما أن القرى الآن بدأت تشهد نهضة حضارية جعلت من المستحيل ممكناً وبدأت تتبدل العملية على أن يتم إيقاف الهجرة إلى المدن الكبرى باكتمال النهضة بتوفير جميع المرافق والخدمات المختلفة وشبكات القرى أي بما يكفل للمدن المتوسطية والقرى أن تقارع المدن الكبرى.. فالمدن الصغيرة والقرى أصبحت تمتلك مساحات شاسعة وذات أسعار مناسبة بإمكانها أن تتحوَّل إلى مدن صناعية وزراعية وتجارية تكون ثمرة لسياسات تخطيطية سليمة تتواكب وازدهار وتطور البلاد في شتى المجالات لغرض أن تصبح ذات وضع اقتصادي مهم في العالم. ويؤكد المهندس خالد الغليقة مدير إدارة المباني باتصالات منطقة القصيم وعضو المجلس البلدي لمدينة بريدة أن المملكة مرَّت بطفرة ونقلات على كافة المستويات تواكب معها هجرة من القرى إلى المدن الكبرى بذلت معها الدولة جهوداً كبيرة في تشجيع الاستيطان بالهجر والقرى من خلال مشاريع تنموية كثيرة مبيناً أنه ومع تزايد النمو والنهضة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد ولله الحمد فإن الحاجة تستدعي تكثيف الجهود في وضع خطط إستراتيجية للتشجيع على الاستيطان، وتحد من الهجرة للمدن الكبرى، وذلك لإنشاء مشاريع تنموية جديدة تتواكب مع النهضة الاقتصادية كإنشاء مدن صناعية بالقرى والمدن المتوسطية وتسهيل القروض الزراعية والصناعية في تلك المناطق على غيرها من المدن الكبرى.. وأضاف: كما يتطلَّب الأمر أيضاً توفير بيئة تعليمية وصحية من خلال إنشاء الجامعات والمعاهد الصناعية والمستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الإسعاف ودور الرعاية الاجتماعية ودعم النشاط المؤسسي للمجتمع المدني بالقرى والهجر، التي سوف تكون مؤسساً للنشاط التجاري والاجتماعي لما تحققه من أمن اجتماعي كما يتطلب الأمر أيضاً توفير شبكة مواصلات حديثة وسلسلة من شبكة القطارات لتسهيل نقل المنتجات، وقد بدأت قيادتنا الحكيمة من خلال قرارات خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مدن اقتصادية وصناعية في أقاليم ومدن متوسطية.. وأعتقد أنه من الأهمية أن تتناسب طبيعة كل منطقة وإقليم مع كل مشروع سواء كان ذلك مشروعاً اقتصادياً أو زراعياً أو صحياً وغيره بمعنى أن تتميز كل منطقة بمشاريع تتناسب مع ظروفها وطبيعتها مثل (مناطق سياحية) (مناطق تعليمية عالية) (مناطق زراعية) (مناطق صناعية) (مناطق تخصصية طبق تقنية عالية). التوازن في المشاريع ويشير الأستاذ حمد بن صالح السلمان عضو المجلس البلدي لمدينة بريدة إلى أنه يجب المحافظة على التوازن في المشاريع التي تكفل أن تكون جميع مناطق المملكة متساوية في مشاريع التنمية التي تساهم في تقدم وتطور كل منطقة. وأضاف: هذه العملية من شأنها أن تخفف الزحام على المدن الكبرى، وتسهم في تخفيف التلوث، وهي التي تزيد من القلق النفسي والتوترات العصبية، كذلك تسهم هذه العملية في ضبط الأمن في كافة المدن. وقال: أرى أن يتم إحياء المناطق وذلك في جعل النهضة شاملة حيث يتم تدعيم أساسياتها وتجهيزاتها كونها أسهل وفق الأنظمة الحديثة بمعنى أن التأسيس لكافة هذه المشاريع أفضل بمعايير صحيحة بدلاً من أن يتم تعديلها وتُصنف في النظام الأول، كما يجب استثمار الأراضي الخام للفرص الصناعية والزراعية والتي بدورها توفر الوظائف والعمل الذاتي، كذلك يجب أن تتم مساواة المناطق في الأجهزة العسكرية الخاصة بقطاعات الجيش والدفاع والحرس الوطني فإنها مجال خصب للوظائف واستقرارها في منطقة معينة جعلها مقصداً للشباب والأسر. فمساواة أطراف مملكتنا الحبيبة مع مناطق الوسط يُوجد هذا التوازن المطلوب الذي يجعل عملية الاستيطان بالمدن الصغيرة وارداً وبشكل كبير، وبذلك تنشأ المجتمعات المتقاربة المترابطة التي بفضلها بعد الله يتم القضاء على الزحمة ويمكن السيطرة أمنياً على كل مدينة من قبل الأجهزة المختصة فيها وبالتالي يتم - وهو الأهم - تطور البلاد المتعدد الجهات. ويفيد الأستاذ عبد الله بن سليمان المشيقح اختصاصي في أبحاث التسويق بأن هناك عدة عوامل يمكن من خلالها إيقاف الهجرة إلى المدن الكبرى والمحافظة على استمرار تقدم ونمو المدن الصغرى ذلك النهج، الذي تنهجه القيادة - أيدها الله - ومنها: - تمركُّز الوزارات والمصالح الحكومية بالمدن الرئيسة، حيث من الممكن تنويع مواقعها بتوزيعها على كافة المدن. - إتاحة المجال للاستثمارات المتنوعة كونها تتيح الفرص الوظيفية. - ارتفاع الكثافة السكانية في المدن الكبرى ساهم في وجود سوق أعلى بالأرباح للمردود التجاري وبالتالي فإن إقامة أسواق تبدأ صغيرة وتنمو في المدن الصغيرة من شأنه ارتفاع الكثافة السكانية فيها. - لا بد من توفُّر جميع الخدمات الصحية والاجتماعية، الخدمية. - توفر المواصلات خاصة الخارجية (الدولية). مدن صناعية وطرق ويقول المهندس عبد المحسن الحبيب مدير إدارة التخطيط باتصالات منطقة القصيم إن ما يحتاجه المواطن حتى يبقى في مدينته أو قريته مرتاحاً ومهتماً في مسألة إقامة المسكن وضمان الحياة المتكاملة له ولأسرته هو الاستمرار في تقديم المشاريع التنموية ولا سيما ذات الصلة بالخدمات لكافة مدن وقرى المملكة بحيث يتمكن من خلالها العيش بها وعدم الانتقال إلى المدن الكبرى.. فما تشهده المدن الكبرى كالرياض وهي أكبر مثال هو أنها متكاملة الخدمات فهناك فرص العمل والطرق والجامعات والمعاهد والمدارس جعلها مقصداً لكثير من المواطنين الذين وجدوها فرصة ذهبية للاستفادة من تلك الخدمات فينتقل ليعيش فيها وربما يؤثر على أقربائه وبالتالي تحدث الهجرة المستديمة التي تؤثر على الرياض في كافة الجوانب. ولا شك أن علاج مثل هذه المشكلة هو أن تتوفر في المدن الأخرى الجامعات والمدارس والمعاهد المتخصصة، وكذلك بالإمكان جعلها مدناً تخصصية كأن تكون زراعية أو صناعية بحيث تفتح فيها المدن الصناعية كي تتوفر فيها الفرص الوظيفية والأهم أن تتوفر فيها الطرق المناسبة التي ترتبط من خلالها بالمدن الكبيرة كي يمكن للفرد العمل في المدينة الكبرى والسكن في مدينته. ويضيف المهندس إبراهيم بن سليمان القسومي مهندس تخطيط: العملية برمتها بحاجة إلى دراسة تخطيطية يُنظر فيها كافة الجوانب ولا سيما التي تكفل للمواطن الاستقرار في مدينته أو في قريته ويكون لهذه الدراسة الاهتمام البالغ من قِبل الدولة - أيدها الله -.. فالوطن وما يشهده من تطوُّر وتقدُّم أوشك أن يكون مزدهراً في كل بقاعه ضماناً للاستقرار النفسي للأسر السعودية التي أصبحت تهاجر عن مدنها بحثاً عن الخدمات المفقودة كالتعليم الجامعي والفرص الوظيفية والاحتياجات البلدية والصحية والاجتماعية، فحينما تكون تلك الخدمات موجودة في المدن الصغيرة فإنها بلا شك ستصبح وسيلة لإبقاء الأسر والأفراد فيها ذلك أنها مضامين للحياة المتكاملة. دعم السوق العقاري ويقول الأستاذ عمران بن عبد الله العمران صاحب شركة عقارية ومن منظور اختصاصي في العقار إن تطور العقار في المملكة بات حاجة ملحة في مسألة استيطان الأسر والأفراد كون هذا المجال يمتلك سوقاً كبيرة في البلاد استطاع هذا السوق المحافظة على مكانته واتزانه مهما حصل له من عمليات مد وجزر خلال عمره.. وأضاف: فمع تطوير هذا المجال فإن العمليات الشرائية تسهم في التوسع بالأراضي وبالتالي التوسع العمراني الذي من شأنه تشغيل مؤسسات المقاولات ومؤسسات بيع المواد الخاصة بالبناء وبتجهيز البيوت وفي الأخير قيام أحياء جديدة يكون للدولة الاستطاعة في تقديم خدمات تنموية مناسبة فيها.. كذلك فإن انتعاش سوق العقار واستمرار ظهور المخططات السكنية يزيد من فرص الاستيطان ذلك أن استمرار تعدد السكان يفتح لهذه المدن فرصاً للدراسات التنموية، التي تهتم بإقامة المشاريع المتنوعة.. فهذه القصيم مثال واضح على التطور حتى أصبحت الآن منطقة كبيرة تتوفر فيها غالبية الخدمات المطلوبة، وحينما نتكلم عن مدينة بريدة بالذات فقد ازدهرت هذه المدينة عمرانياً حتى أصبحت الأولى توسُّعاً على مستوى الشرق الأوسط وهذا كله ساهم في أن يكون فيها العديد من الفرص التي تجعل الأسر فيها يفضلون الحياة في ربوعها.. وحتى يستمر العقار في ازدهاره فإن المأمول هو أن تقوم الدولة بزيادة القروض العقارية ومضاعفة أعداد المستفيدين حين الإعلان عن الدفعات الدورية، كذلك الاهتمام البالغ من الجهات المختصة في مراقبة أسعار مواد البناء، فهذه العملية تضفي بدورها على سعر السوق وبالتالي الاستعداد لإنشاء المساكن في نفس المدن، فالمعلوم أن أسعار هذه المواد في المدن الكبرى، أقل منها في المدن الصغرى نظراً لوجود وكالاتها وتجارها فيها وهي مفقودة في المدن الأخرى.