يتسابق مئات الآلاف من خريجي وخريجات المرحلة الثانوية سنويا وسط تنافس حاد ومحموم للحصول على فرص لإكمال تعليمهم في الجامعات السعودية مدفوعًا في الغالب بحرص الوالدين أو الأقارب وقناعتهم بأن الشهادة الجامعية هي الطريق الآمن نحو الوظيفة والتي ترسم في نهاية المطاف مستقبل هذا الجيل اليانع.. لتبدأ بعد ذلك مرحلة الدراسة الجامعية والتي تضع بصمة كبيرة وهامة على شخصية الطالب وفي رسم طيقه المهني ومساره الوظيفي. في خضم تلك السنوات تتوسع المدارك، تتغير منهجية التفكير، تُكتسب معارف وخبرات، وتصقل مهارات وقدرات.. وبالتأكيد أن درجة الاهتمام والجدية والشغف والطموح تختلف من طالب إلى آخر، وهذا التباين في القدرات والأداء هو من يصنع المتميز ويضعه في موضع متقدم عن أقرانه في عملية التوظيف ورحلة بناء المستقبل المهني. كانت معايير التوظيف خلال العقود الماضية ترتكز في مجملها على الأداء الدراسي كعنصر أساسي في اختيار المرشحين، لكن يبدوا أنه خلال العقود القادمة لن يكون الوضع كسابقه مع إيماني التام بأهمية التحصيل وما يعطيه من مؤشرات حقيقية عن الاجتهاد والمثابرة والالتزام وقوة التحمل.. ليظهر عنصر المهارات كمتطلب لا يقل أهمية عن التحصيل الدراسي ليساهم بدوره في الحكم على جدارة وكفاءة هذا المتقدم أو ذاك مدفوعًا بتغير دراماتيكي في خريطة سوق العمل ونوعية الوظائف المستقبلية المطلوبة والمرتبطة في أصلها بالتقدم التقني المتسارع وبزوغ ثورات واكتشافات علمية متعاقبة كالذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، والتصنيع الثلاثي الأبعاد... الخ. ونتيجة لذلك، فإن ثلث الوظائف الحالية في العالم (مليار وظيفة) سوف تندثر خلال السنوات القادمة حسب إحصائية حديثة لمنتدى الاقتصاد العالمي. واستجابة لتلك التغيرات، فقد أصدر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في منتصف العام 2020 أمراً تنفيذيا بإقرار التوظيف بالمهارات (Skills-Based) بالتوازي مع التوظيف بالشهادة (Degree-Based) لتمكين المواهب والكفاءات في القطاعات الحيوية المختلفة. وهنا رسالة هامة لمن هم على المقاعد الجامعية الآن بالمبادرة بتخصيص وقت لتنمية وصقل المهارات التقنية والناعمة والإطلاع بشكل مستمر على مستجدات السوق ومتطلباته، والحرص كذلك على التعلم الذاتي والاستثمار الأمثل في تطوير القدرات، فالتعلم رحلة لا تنتهي.