يرى الفيلسوف الإغريقي الرياضي فيثاغروس أنه:»عندما تُصبح القوانين ضرورية للبشر فهم عندئذ غير صالحين لأن يكونوا أحراراً»، فيما يرى الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر: «محكوم على الإنسان أن يكون حُراً، لأنه ما أن يُلقَى في هذا العالم حتى يكون مسؤولاً عن كلّ ما يفعله» كون المسؤولية لا تتأتى إلا إذا كان الإنسان حُراً؛ وإلا كيف سيتحمل نتائج أفعاله!. ولذلك يجد الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشة: «الحريّة هي الرغبة بأن نكون مسؤولين عن أنفسنا»؛ ويرى الفيلسوف الإنجليزي جون لوك:»غاية القانون ليس منع أو تقييد الحريّة بل حفظها وتوسيعها». ويذهب الفيلسوف برتراند راسل إلى أن: «القليل من الحريّة يجلب الركود، والكثير جداً منها يجلب الفوضى»، ولهذا يرى أنه»حين تكون الحريّة ضارة يجب أن نلجأ إلى القانون» وربما لذلك وصل بالفيلسوف الأمريكي ويل ديورانت إلى قوله: «في شبابي كنتُ أهتم كثيراً بالحريّة، وكنت أقول أنني مستعد أن أموت من أجل حُريتي، ولكنني في كهولتي أصبحت أهتم بالنظام قبل الحُريّة، فقد توصلت إلى اكتشاف عظيم يثبت أن الحريّة هي نتاج النظام» ما يعني أنه كما يقول الفيلسوف الفرنسي مونتيسكيو «تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين». والكثير جداً من الآراء والرؤى والأفكار حول «الحريّة» التي شغلت الإنسان طوال تاريخه البشري منذ أن بدأ تكوين مجتمعه الإنساني وحتى يومنا هذا، ولن يتوقف الكلام عن الحُرية «هانم» وقوامها الممشوق وشعرها المنكوش مرة والمنسدل مرات ولا عن يديها الناعمتين وقدميها الجميلتين! ورأينا كيف أخذ الكثيرون خلال الأسابيع الماضية يُنظّرون فيها وهم يراقبون الانتخابات الرئاسية الأميركية وأحداثها المشوقة إلى أن تم تنصيب الرئيس الجديد منذ أيام، فالقاصي والداني والمهتم وغير المهتم يُنظّر فيها؛ ويتحدث عن ملامحها ومفاتنها من زوايا قناعته الخاصة وما يتفق مع هواه، وما تحتاجه مصلحته منها؛ فهناك من يرى «حُرية هانم» أن تكون «متفتحة» و»عصرية» وذهب آخرون إلى أنها أشبه ب»عارضة أزياء» للمجتمعات تستعرض ما يرتديه من قيم إنسانية يفرضها سوق»السياسة العالمية»! فيما آخرون يرون أنها»عورة» ينبغي أن تكون»محجبة»، واختلفوا في معايير وكيفية حجابها! لكن مع ذلك الجميع متفق على الهيام بها؛ وإن اختلفوا في تخيل شكلها ومواصفاتها كلٌ بحسب توجهه وأيديولوجيته، وحتى الأطفال؛ بات لا يتردد الواحد منهم أن يقول وصدره منتفخ في وجه والده أو والدته «أنا حُر» معلناً أنه يتمتع بصداقة مع «حُرية هانم»وطيدة تُمكنه من إعلان اعتراضه أو إصراره!!. ولكن الواقع يفرض نفسه على أن تكون «الحريّة» مسؤولية في المجتمعات تتباين بين مجتمع وآخر بما تصالح عليه من نظام عام تكوّن من تراكمات تاريخية واجتماعية وإنسانية ودينية وثقافية؛ هذا بدوره يجعل «الحرية» أشبه ما تكون بمصطلح «مطاطي» قابل للتمدد والتقلص في المفاهيم البشرية، إلا أننا نُدرك بأن الحريّة التي يحتاجها الإنسان هي التي تحرره من قيود قد تكون معنوية أو مادية أو وهمية أو ذاتية! تُكبل طاقاته وانتاجه في كثير من الأحيان؛ إلا أن الكلام عن «الحُرية» هانم لا يمكن أن يكون دون علاقتها بالسيد «قانون» لأنهما يشكلان ثنائية وإن كان بعضهم يجدها علاقة شائكة؛ لكنها ضرورية في تعزيز المسؤولية الفردية وحفظ النظام الجمعي، ولا يمكن أن يكون هناك حريّة دون قانون أو قانون دون حرية، فيما تتباين «الثنائية» بتباين سقف المجتمعات الإنسانية وقيمها، وتتفاوت بتفاوت السقف الفكري الفلسفي الذي تحتاجه لإدراكها. وتبقى «الحرية» غريزة طبيعية أهداها الله تعالى لكل كائن حيّ من خلقه والإنسان بشكل خاص لأنه خليفته في الأرض؛ بعد أن هداه «النجدين» كي يحقق الإبداع والعدالة، ولهذا هي ليست «منحة» أو «هبة» أو «عملاً خيرياً» يتبرع به الإنسان لآخر من باب التسامح! وليست»عروسة المولد» نُلبسها ما نشاء كي نحتفل بها! إنها ببساطة فطرة تولد مع الإنسان، وكما قال الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضوان الله عليه: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، ولكن لا يمكن أن تكون دون قانون تُحفظ به الحقوق ويُمنع به الضرر ويحدد مساحة التحرك في دائرتها اجتماعياً وإنسانياً وثقافياً؛ ولذلك التعامل مع مفهوم»الحرية» يحتاج أن يكون بوعي ناضج فيما مفهوم القانون بحس أخلاقي، ف»إذا كنت تُؤمن بحرية التعبير؛ فأنت تؤمن بحرية التعبير عن الآراء التي لا تعجبك» كما يقول البروفسور نعوم تشوميسكي المفكر وعالم اللسانيات الأمريكي، بذات الوقت أنت لست حراً أن تشتم الآخرين مثلاً من باب التعبير عن رأيك! وأمام هذا ينبغي تربية «العقل» على الوعي المسؤول في تكوين مفهومه عن»الحريّة» بكونها مسؤولية لا «فوضى أنويّة» وكما قال نيلسون مانديلا:»أن يكون الإنسان حُراً لا يعني مجرد تحرره من الأغلال التي تقيده، بل أن يعيش بطريقة تحترم وتعزز حُرية الآخرين».