الجميع سمع عن النظرية النسبية لأينشتاين، لكن قلة قليلة هم من يعرفون نظرية هذا العبقري في السعادة. الحكاية حدثت في العام 1922 وفي أحد فنادق طوكيو عندما لم يجد عالم الفيزياء الشهير في جيوبه نقوداً يدفعها لأحد العمال كإكرامية، فطلب منه ورقة وقلماً قائلاً: سأكتب لك كلمات ربما تصبح أكثر قيمة من الإكرامية العادية.. وهذا ما حدث، فقد بيعت الرسالة في العام 2017 بأكثر من 1.5 مليون دولار. يقول نص الرسالة: «الحياة الهادئة والمتواضعة تجلب السعادة أكثر من السعي اللاهث للنجاح المصاحب بالقلق المستمر». . السعي لتحقيق النجاح أمر مهم، لكن الإفراط في الطموح قد يؤثر على حياتك وسعادتك، فالركض خلف الأهداف المادية والنجاح المهني يعني أنك ستتجاهل أو تهمل في الغالب جوانب مهمة من حياتك، ولعل الأسرة والصحة هما الأكثر تضرراً.. وتؤكد دراسة ل (باري شوارتز) في كلية سوارثمور، أن الأشخاص الذين يسعون جاهدين للحصول على أفضل النتائج قد يحققون نتائج أفضل من الأشخاص القانعين الذين لديهم حد أدنى لما هو مقبول، إلا أنهم يبقون أقل منهم سعادة؛ وتفاؤلاً واحتراماً للذات، ورضا عن الحياة. . من المؤسف أن مفهوم النجاح في مجتمعاتنا المعاصرة بات ينحصر في تحقيق الشهرة والثروة، وأصبحت السعادة تعتمد على مدى نجاحنا في هذين المجالين، وكأننا نسينا تماماً أن السعادة ماهي إلّا نتاج الخيارات التي نتخذها .. وأنه من الخطأ أن نربط سعادتنا بتحقيق أهدافنا ، فالسعادة يجب أن تكون جزءاً من رحلتنا نحو تحقيق تلك الأهداف لا نتيجة لها. .(روبرت هولدن) عالم نفس بريطاني، يقول في كتابه (السعادة الآن): «السعادة ليست في الأشياء، السعادة فيك أنت».. يالها من حكمة رائعة، فالسعي الحثيث لتحقيق النجاح قد يشحننا بالتوتر والقلق، خصوصاً عندما نوجه كل وقتنا وطاقاتنا نحو تحقيق أهداف مادية على حساب علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، وحين نقفز فوق المتع اليومية الصغيرة ونعتبرها غير مهمة ونفترض أنها ستشتت انتباهنا، إننا بهذا نقفز فوق جزء مهم من سعادتنا، لذا نشعر بعدم الرضا بسبب الضيق الناجم عن أعباء العمل الثقيلة والمسؤولية الأكبر سباقنا مع الوقت. . النجاح ليس وصفة للسعادة، خصوصاً بعد أن أصبحت المادية تحكم حياتنا بالكامل.. قديماً كنا نعمل لنعيش، أما اليوم فنحن نعيش لنعمل.. كثير من الناجحين يعيشون حياة مضطربة، لأنهم يضحون بلحظات وأشياء صغيرة يمكن أن تجعلهم سعداء بالفعل.. نحن كبشر نسعى دوماً لتحقيق أحلامنا في أن نصبح ناجحين، لكنها عملية لا تنتهي أبدًا، نبحث دائمًا عن المزيد وبعد تحقيق أهدافنا المحددة، نضع المزيد، وتستمر الدوامة، هذا ما يسمى ب «التكيف اللذيذ» وهو ما يعني أننا لن نصل أبداً إلى تلك المرحلة من السعادة المطلقة. . عندما تأتي النصيحة من عبقري كأينشتاين فهي جديرة بالتوقف والتأمل.. توقف عن الركض القلق وعش حياة هادئة ومتواضعة ما استطعت، العيش بشكل أبسط لا يعني أن تتخلى عن العمل أو الطموح، بل يعني فقط أن تعيش حياة راضية تستمتع فيها بكل شيء، تخصص منها وقتًا لعلاقات أسرية ناجحة، ويكون لديك الوقت الكافي للتأمل وتغذية الروح، وتضع فيها لنفسك أهدافاً معنوية، لأنك ببساطة حين تتوقف عن الركض خلف الأشياء المادية، ستجد المعنى الحقيقي للحياة والسعادة.