في بريدي رسالة من قارئ كريم يشكو فيها من خداع مديره السابق الذي ظل يوهمه على مدار سنوات بوعود هي من حقوقه أصلاً لكنه لم يصدق في أي منها، يقول: بعد سنوات من العمل المضني لم أحصل سوى على كثير من الكلام المعسول والقليل من شهادات الشكر التي لا تساوي شيئاً!. . في أدبيات الإدارة يسمى هذا النوع بالمدير (بائع الكلام) أو (بائع الأوهام) وهو من النماذج السيئة التي يشيع وجودها في المنظمات التي ابتليت بالقاعدة (البراشوتيين) الذين يعملون بمنهجية (الهبوط والقفز السريع) حيث ينظرون للعمل في أي منظمة على أنه مرحلة يجب تجاوزها بسرعة وبأقل الخسائر، لذا يعتمدون (الفهلوة ) أو (الجمبزة) من خلال بيع الكلام الواهم على الآخرين كسياسة وأسلوب إدارة، معتمدين الكذب والتخدير والتسويف كأدوات رئيسة في عملهم. . لا تختلف شخصية المدير بائع الكلام عن الشخصيات السلبية التي تحدثنا عنها في المقالات السابقة فهي ضعيفة نفسياً وعملياً في الغالب، والعجيب أن أصحاب هذه الشخصيات المتطلعة للوثب السريع لا يقومون بتطوير أنفسهم، بل يحاولون تغطية نقائصهم بسيف الحياء، من خلال كلام منمق لطيف يقربهم لقلوب الآخرين ويمنع انتقادهم أو الهجوم عليهم.. وتكمن خطورة هذا المدير في أنه وصولي التفكير وغير منتج، لا يهتم بحل مشكلات المنظمة، ولا يتعمق فيها أصلاً، بل يقفز عليها بكيل معسول الكلام المخدر هنا وهناك، وتدبيج آيات الثناء والمدح بكلام يتمايل معه الموظفون طرباً، وهذا نوع من (الدمدمة) الإدارية، والتأجيل الضار لمشكلات لا يهمه أن تتفجر بعد رحيله . . هذه الشخصيات قد تكون محبوبة للأسف عند البعض من السذج والمتسلقين والمنتفعين الذين يقعون في حبائل وعودهم ويفتنون بسحر كلامهم وحلاوة ألفاظهم، فيستغلونهم مشكلين منهم فرقاً للتطبيل والترويج.. ولمّا كانت فلسفتهم تقوم على الخديعة فلا عجب أن يميلوا للإعلام كثيراً، حيث تجدهم في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، مبدياً آحادهم اهتماماً غير صادق بقضايا الوطن والمواطن ومحاولاً تمرير صورة غير صحيحة عنه كمدير غيور ومحبوب، وأنه الرجل المناسب الذي يستحق مكاناً أكثر مناسبة لقدراته الخارقة. . العجيب أنك لا تشعر أثناء الحديث مع الشخصية بالطمأنينة ولا الصدق، رغم كل ما قد يكيله لك من مدح وتملق، وكأنه يذكرك دوماً بالمثل الشهير في محكية أشقائنا المصريين الذي يقول "أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أتعجب" فكثيراً ما تجده يتحدث عن المثاليات في اجتماعاته ثم يقع في كبائرها.. يذم الاستبداد أمام موظفيه، بينما يبرع في تهميش كل من قد يراه عقبة في طريقه السريع للصعود.. يحاول الظهور بصورة الغيور والحريص على المنظمة وعلى المواطن بينما تنم أفعاله وتصرفاته عن شخصية ميكافيلية النزعة، لا ترى الا مصالحها الخاصة!. . وجود المدير (الجمبازي) بائع الكلام الذي يعتقد أن موظفيه يمتلكون ذاكرة سمكية سريعة النسيان لا ترصد أكاذيبه ولا تحاسبه على وعوده الزائفة هو أمر ممكن الحدوث في أي مجتمع وظيفي، المهم هو أن تعرف أنت كيف تتعامل معه، بأن لا تكون من المخدوعين المستنزفين، ولا من المطبلين المدافعين.