حتى الحكم الفيدرالي نفسه لم يستطع أن يقضي على الحروب الأهلية الطاحنة التي ستأكل الأخضر واليابس في أثيوبيا ذات المائة والعشرين مليون نسمة!، القصف مستمر من قوات الحكومة الاتحادية في أديس أبابا، ورئيس إقليم تيغراي الواقع في شمال أثيوبيا يعلن الاستنفار، ووزير دفاعه يؤكد «لا يمكن إخضاعنا بسكينهم»!! لن أخوض الآن في مياه النيل، ولن أقول إنها نقمته أو غضبه أو نحو ذلك من حكايات أو أساطير، لكن الشئ المؤكد أن نهراً من الدماء سال ويسيل في أثيوبيا، وأن سيلاً آخر من اللاجئين الأثيوبيين نصفهم من الأطفال يفيض بالآلاف نحو السودان!. كنت قد تخصصت في مشواري الصحفي الطويل في ملف القرن الأفريقي، وتحديداً في البقعة التي تضم أثيوبيا وأرتيريا من جهة، والصومال وجيبوتي من جهة ثانية، وعايشت سقوط الرئيس منجستو هيلا مريام ابن العرقية الأمهرية في أثيوبيا على يد ملس زيناوي، ابن عرقية «التيجراى» المولود في بلدة عدوة، والذي كان اسمه عند مولده ليغيس قبل أن يبدله إلى ميليس تيمناً بملس تيكلي، الناشط الذي أعدمته الحكومة الشيوعية في 1975 عندما كانت على سدة السلطة بأثيوبيا في ذلك الوقت. وكان ما كان وجاء آبي أحمد ابن عرقية «الأورومو» الذي ولد في أغارو بمدينة جيما والتحق بالجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، وشارك في ثورة 1990 ضد حكم نظام منغستو هيلا مريام، وبعد سقوط النظام سنة 1991 التحق رسميًا بالجيش الإثيوبي. هذا على مستوى الزعماء الثلاثة الأشهر في تاريخ أثيوبيا الحديث والذين يمثلون ثلاث عرقيات هي بترتيب عدد السكان: الأورومو وتتركز في أوروميا بوسط إثيوبيا ويشكلون نحو 34 في المئة من عدد السكان، ويتحدثون اللغة الأورومية، ويعملون بالزراعة والرعي. ثم الأمهرة، وهي ثاني أكبر مجموعة عرقية في أثيوبيا ويتحدثون اللغة الأمهرية، وهي اللغة الرسمية للجمهورية الأثيوبية، ويشكلون نحو 27 في المئة من عدد السكان. ثم التيغراي ويشكلون نحو 6.1 في المائة من الشعب الأثيوبي وأغلبهم يعيش في شمال البلاد، وهم مولعون بالشعر! الآن لا «الأمهرا» كانوا سعداء أثناء حكم منجستو، ولا «التيجراي» كانوا مرتاحين في عهد زيناوي، ولا «الأورومو» مستفيدين بوجود آبي أحمد على رأس السلطة! إنه فيروس «الكرسي الكبير» الذي جعل «التيجراي» ثائرين، ورئيس وأعضاء الحكومة الاتحادية «مرعوبين»، و»الأوروميين» «متوجسين» مثلما كانوا طوال وجودهم!.