توقّفْتُ كثيراً عند الخبر الذي نشرته (جريدة المدينة) مؤخّراً، عن القبض على مجموعة من الفاسدين المُكوَّنِين من 13 موظّفًا في إحدى البلديات التابعة لمنطقة الرياض، و4 رجال أعمال، و5 مُقيمين يعملون في شركات متعاقدة مع البلدية، وفي حوزتهم مبالغ نقدية قدرها 193 مليون ريال، فضلاً عن عقارات غير شرعية بقيمة 142 مليون ريال، وحسابات بنكية تضخّمت إلى 149 مليون ريال، و110 ملايين ريال كمنصّات اعتمادات تجارية، وأتمنّى ألّا يكون ما خفي أعظم!. وتوقّفي كان «تسعطعشر» مرّة أكثر عند طرق إخفاء هذه المجموعة للمبالغ النقدية، والتي تدلّ على عبقرية لا تُطبّق للأسف في محلّها الصحيح، وليست حميدة، بل خبيثة بامتياز، وتُذكّرني بعبقرية قُطّاع الطرق في قديم الزمان، الذين كانوا يُخفُون الكنوز المسروقة في أماكن لا تخطر على بال أحد، حتّى على الجنّي الأزرق كما يُقال في الأمثال، وقد تُدركهم المنيّة أو يتناحرون عليها ولا أحد غيرهم يعرف مكان الإخفاء، فتضيع سُدى أو يكتشفها غيرهم بعد عشرات السنين، لكنّ هيئة مكافحة الفساد اكتسبت خبرة كبيرة في أماكن إخفاء المبالغ التي يلجأ إليها الفاسدون، وهذا يُحسب لها وتُشكر عليه بلا مجاملة ولا مبالغة. ولكم أنّ تتخيّلوا مدى الجهد الذي بذله هؤلاء الفاسدين وهم يُخفون المبالغ في منازلهم فوق الأسقف المُستعارة خصوصاً إن كانت جبسية أو معدنية، وداخل خزّان أرضي بما فيه من مياه قد تُتلِف كلّ شيء، وفي غرفة خدمات أحد المساجد بجوار من يعمر بيوت الله صالحين بينما هم فاسدين، وفي خزنة مدفونة تحت الأرض لم تُذكّرهم بالقبور التي هي وازع للخوف من ارتكاب السيئات!. ولو بذلوا نفس الجهد الفكري والجسدي في التربّح الحلال مثلما بذلوه في ابتكار طرق الفساد وإخفاء مبالغه لربّما كوّنوا ثروات دون أن يتطرّق إليهم أحد مقدار ذرّة، لكنّه الفساد يبدو سهلاً ومُغرِياً للبعض، فيتشجّعوا عليه رُويداً رُويداً، فإذا ما مرّت المرّة الأولى بسلامٍ عليهم تشجّعوا أكثر لعمليات فساد أكبر، لكنّ الجرّة لا تسلم في كلّ مرّة، فيُقبضُ عليهم ويخسروا مستقبلهم المهني وسمعتهم المجتمعية ونقاء دينهم، وليت غيرهم من الفاسدين يتّعظون، ليتهم يتّعظون!.