لاشك بأن الأعمال الإنسانية والتطوعية داخل إطار المجتمعات تُعد في غاية الضرورة والأهمية كونها تساند المؤسسات الحكومية والخاصة وتسعى لسد ثغرات التقصير التي تكتنف تلك المؤسسات وتعالج القضايا الطارئة على المجتمع كالكوارث الطبيعية والمناسبات الطارئة والإفرازات المجتمعية التي لم تجد لها الحلول، وغالباً ما تبرز تلك الأعمال بمبادرات فردية أو جمعية من داخل المجتمع، وتلك الأعمال كثرٌ ومختلفة الاتجاهات، لكن حديثنا اليوم سوف يكون عن قضية إنسانية هامة جداً بدأت تبرز بشكل لافت وهي عن أولئك المرضى النفسيين فاقدي المأوى والاهتمام الصحي والغذائي والنفسي ولم يبق لهم منازل تحتويهم أو أسر ترعاهم أو مؤسسات المجتمع ذات العلاقة بسبب ما يشكونه من حالة نفسية قد تحول دون الوصول إليهم.. وقد ينتج عن وجودهم الضرر لمن حولهم، فعجزت تلك الأسر أو المؤسسات ذات العلاقة عن استمرارية وجودهم واحتوائهم وعلاجهم ورعايتهم بسبب اعتلالاتهم النفسية فتركوا أنفسهم ليعيشوا في العراء تحت أشجار الحدائق أو تحت الجسور أو الأماكن الخربة. هذه القضية تحديداً هيأ الله لها من يهتم بها ويوجِد لها الحل الجذري وهو الشيخ ملاك باعيسى عمدة حارة الشام بمدينة جدة الذي سعى لإقامة دار مهيأة بكل الاحتياجات الضرورية كالإيواء والغذاء والكساء والدواء، فأنشأ وقفاً لهذا الغرض وأطلق عليه مسمى (داركم)، وجعل شعاره (الدار داركم)، هذا المشروع الوقفي الإنساني الرائد يخدم تلك الفئة من المرضى النفسيين المشردين الذين لم يجدوا لأنفسهم الاحتواء والعلاج والرعاية والتأهيل، وقد شرفني بأن أكون أحد خدام ذلك الوقف الإنساني وهذا أسعدني كثيراً ويقيني أنه سيسعد كل من قام بخدمته وتقديم الدعم المادي والمعنوي والإداري من أهل الفضل، فهذا العمل هو ما سيبقى لنا عند الحساب لكونه سيدخل السعادة إلى قلوب الكثير من أولئك المرضى النفسيين، وسيسهم في إعادة تأهيلهم ليكونوا أفراداً منتجين لأنفسهم ووطنهم. ولعل ذلك قد برز جلياً بين أفراد ذلك الوقف، حيث كشف الكثير من المبدعين في مجالات مختلفة لكن الظروف التي عاشوها أجبرت تلك المواهب والقدرات المكبوتة على الضمور وبالإمكان إعادة تأهيل الكثير منهم. وكم أتمنى أن يتبنى رجال الأعمال مثل تلك الأعمال الإنسانية التطوعية حتى في مجالات أخرى وأن يسهموا بدعمهم لهذا الوقف وغيره من الأوقاف الاجتماعية.. والله من وراء القصد.