هل سمعتم عن طائفة «الآمش Amish»!؟ في قلب الحضارة الغربية الأمريكية وفي قمة التطور العالمي تعيش اليوم طائفة الآمش حياة مُستلهَمة من القرون الوسطى، فهي طائفة مسيحية تجديدية تتبع للكنيسة المنيونية، نشأت قبل 300 عام واستمرت إلى اليوم بزمن متوقِف وعقول ماضية؛ هي طائفة مُسالمة لا تؤمن بالتغيير وتُصِّر على الالتزام بالعيش على نهج الماضي، وما يُثير الإنتباه إليهم هي معتقداتهم الغريبة، فهم يؤمنون بالانعزال التام عن العالم الخارجي؛ فمعتقداتهم الدينية تحرِّم عليهم استخدام الكهرباء وقيادة السيارات واستخدام النقود والهواتف والتصوير والتعليم وكافة وسائل التكنولوجيا الحديثة، يركبون الأحصنة ويعتمدون على استخدام الهواء ومحركات الطاقة الهيدروليكية وقارورات الغاز لتشغيل الأجهزة الكهربائية، فطائفتهم تُحرِّم عليهم كل سُبُل الراحة والتطور، ويعيشون الانغلاق تحت سيادة مشائخ مجلس الفتوى لديهم ويطلق عليهم اسم «اولد اوردر». في جميع الأديان توجد مثل تلك الحركات المُتشدِّدة ولكن بدرجات فكرية متفاوتة والتي تروِّج سمومها عبر حقن العقول بمحاليل الدين الزائفة. من المؤسف أنه لا يزال هناك مَن يقبع تحت سيطرة الحركات المتطرِّفة في كافة الأديان والتي تُفصِّل الدين على مقاساتها الشخصية تاركة أجزاء اعضائها عارية وأخرى مُرقعّة بأوهام لا يستوعبها المنطق البشري لتضمن سيطرتها على العقول؛ ضاربة باحتياجاتهم عرض الحائط. التشدّد الديني هو الإنحراف عن العقلانية والعدالة والحرية، هو عدم تقبّل الآخر، هو سلب لحقوق الإنسان التي اكرمه الله بها. ومن أهم أسباب استلاب عقول المجتمعات نقص الوعي الجمعي وخشية الناس من التنفّس خارج قوقعة الجماعة حتى وإن كان الهواء داخلها فاسداً وخانقاً، والخوف من محاولة استراق النظر عبر شقوق الصندوق المُغلق والجدار المُظلِم لرؤية بصيص أنوار الحياة الحقيقية لا ظلالها الوهمية. تلك الطائفة التي حرَّمت وحَرَمت ابنائها من أبسط حقوقهم في الحياة هي مثال لغيرها من الحركات المتطرّفة التي تسلب الإنسان كرامته وتدفعه إلى ممارسات لا عقلانية وتُحرّم عليه ما أحل الله فيعيش حياة ناقصة ظناً منه أنه يحيا على الصراط المستقيم. إذاً فالعلاقة عكسية بين الوعي والتطرّف الديني؛ فكلما ارتفع وعي الناس واستبصارهم بالحقائق والحقوق كلما تقلّص تأثير التطرف الفكري على العقول، وتصدُق هنا مقولة فيكتور هوجو « تبدأ الحرية حيث ينتهي الجهل».