نتخيل أحيانًا، بسبب عدم معرفتنا أو بسبب التكتم، أن الشخصيات العسكرية، أو الحكام، خارج مدارات عواصف الحب والرغبات الإنسانية، فنعرف عنها كل شيء سوى ذاتها الخاصة وحميمياتها، لكن الحقيقة شيء آخر.. بل هناك قصص حب شديدة الجمال كان أبطالها حكامًا وعساكر.. الأمر غير مقتصر على الحالات الفنية والإبداعية التي تكون فيها موانع الكشف عن غوايات الذات قليلة.. نجد بكل بساطة كاتبة مثل أناييس نين تتكلم عن تجربتها الحياتية بلا قيد أو شرط، أو فيرجينيا وولف ومغامراتها العاطفية الإنسانية التي انتهت بها إلى الانتحار.. حتى الروايات تزخر بهذا النوع من النماذج مثل آنا كارنينا لتولستوي، ومدام بوفاري لفلوبير، أو رواية ألباما سونغ للروائي الفرنسي جيل لوروا، حول حياة الكاتب الأمريكي فيتزجيرالد سكوت العاطفية وزوجته زيلدا، التي انتهى بها الأمر إلى الجنون. في حياة القادة العسكريين قصص حب عظيمة، غطت عليها الصفة المهنية الطاغية.. كان نابليون بونابارت شخصية كبيرة، جعل من فرنسا الضعيفة امبراطورية كبيرة وشاسعة الأطراف إلى أن أدت به أطماعه إلى النهايات التراجيدية والهزيمة والمنفى.. لكنه جعل فرنسا ترتقي إلى أعلى الرتب العالمية وأفضلها في نظامها وقوانينها التي ما تزال إلى اليوم مرجعًا حيويًا.. فقد كان حاكمًا صارمًا، لكن أيضًا محاربًا بجانب جيوشه، وليس رجل قصور ومكاتب.. هو من جيل جمع بين تسيير الدولة، والجهد العسكري الميداني.. حياته العاطفية، ومراسلاته مع جوزفين (ماري جوزيف روز تاشير 23 جوان 1763) تكشف بقوة عن هشاشة الرجل الداخلية وعاطفته وحساسيته وإنسانيته.. رسائل دافئة من الجبهات التي يبث فيها أشواقه وحنينه.. كانت جوزفين خارجة من تجربة زواج قاسية.. فقد أعدم زوجها الجنرال فرانسوا بوهارني بالمقصلة أيامًا قليلة قبل روبيسبيير، بسبب تهريبه الملك إلى فارين.. بينما أدخلت هي السجن، ولولا جمالها للقيت المصير نفسه.. وترملت من زوج لم تكن تحبه على الرغم من أنها أنجبت منه صبيين ظلت في قمة جمالها وشبابها.. جمال كريولي مارتنيكي، بين السمرة وبهاء الداخل.. لم تغادر المارتنيك إلا في 1777 عندما التحقت بزوجها بوهارني.. وظلت بعد وفاته متشبثة بحاشية لويس السادس عشر، فتعرفت على الكثير من الضباط الصغار. لقاء بونابارت بها في هذه الأوساط، في سنة 1796، كان عن طريق الصدفة، في حفلة عشاء خيرية في باريس.. وكانت تبحث لها عن مكان في المجتمع الأرستقراطي.. صعق نابليون بجمالها.. فأحبها وارتبط بها عاطفيًا بقوة.. حتى أنه غير اسمها الذي كان به اسم زوجها واختار لها اسم جوزفين حتى يشعر بكبرياء التملك، ويتخلص من ميراثها العشقي.. بعد شهور قليلة من تعرفه عليها، تزوجها وعمرها وقتها 27 سنة، في 9 مارس 1796.. وكأن القدر كان ضد هذا الحب الذي بدأ مشتعلا، فيضطر إلى مرافقة جيشه الإيطالي الذي كان يرأسه.. ويترك جوزفين وراءه، في باريس، وهي في عز تعطشها له.. فتجد نفسها من جديد في عزلة قاسية كأرملة مهزومة تنتظر فارسًا يخرجها من دوامة الفراغ.. لم تستطيع العيش بلا رجل وهي المتعودة على عشق رجالات المجتمع الأرستقراطي.. فتقيم علاقة دامت طويلا، مع عريف في الجيش: هيبوليت شارل.. زادت حملة نابليون على مصر من تعمق هذه العلاقة، في نفس الفترة التي كان فيها نابليون يكتب لها رسائل ملتهبة عشقًا وترد عليه بنفس القوة.. عندما عرف بالقصة، فكر في الطلاق منها لكنه لم يتمكن من مقاومة عشقه لها.. بعدما أصبح إمبراطورًا في 2 ديسمبر 1804 بمباركة البابا پي السابع Pie 7، أصبحت جوزفين تلقائيًا، امبراطورة فرنسا الأولى.. لكنه عندما فكر في الوريث اصطدم بعجز زوجته عن الإنجاب.. يقرر الزواج بغيرها، ويطلق المرأة التي ساعدته في كل فتوحاته ووقفت بجانبه في الأيام الصعبة، في 15 ديسمبر 1809، في قصر ليتويلوري.. تنعزل في بيتها مع ابنيها من الجنرال بوهارني، وأحفادها الذين كانت مرتبطة بهم بقوة.. كانت جوزفين مبذرة جدًا ماليًا، فكانت تنظم السهرات لكبار الشخصيات الأرستوقراطية، في قصرها مالميزون، من أمثال قيصر روسيا ألكسندر الأول، اثناء زيارته لفرنسا.. ظلت حسرة عدم الإنجاب من نابليون انكسارًا داخليًا صاحبها حتى الموت بسبب مرض رئوي في 29 مايو 1814.. بينما ظلت بالنسبة لنابليون أهم امرأة ملأت حياته نورًا وحبًا حتى وفاته في 5 مايو 1821 في سانت هيلين بعد أن كان قد أتم ست سنوات منفى قبل ذلك، على الرغم من كل المآسي التي كان هو وراءها بالنسبة لجوزيفين.