خرج ابن آدم من العدم قلت: ياه! رجع ابن آدم للعدم قلت: ياه! تراب بيحيا وحي بيصير ترابّ الأصل هو الموت والا الحياة؟ تذكرتها من رباعيات صلاح جاهين، وأنا أتابع سرادق العزاء في الدكتور مشالي طبيب الفقراء، والذي امتد بطول وعرض مصر! قلت هكذا الإنسان، وهكذا الحياة! أناس يمد الله في أعمارهم ويموتون، فإذا بهم أحياء في نفوس المحبين، وآخرون يعمرون وكلما كبروا، خابوا وانحرفوا وكذبوا ونافقوا، وعندما يموتون لا يتذكرهم أحد! الفريق الأول كلما عاش يومًا إضافيًا أو سنة كلما فاحت رائحة عمله وخيره في كل الأمكنة، والفريق الثاني كلما عاش عامًا أو بعض أعوام، أساء لنفسه وسمعته! والحاصل أن الدكتور مشالي، الذي بكاه الملايين، لم يكن يجعجع في القنوات كل ليلة، ولم يكن لديه وقت للكلام، فقد مضى واهبًا علمه ونفسه للفقراء من أحباب الله، فلما مات بكته الملايين مرددة وداعًا يا أجمل الناس والبقاء لله! كنت في الطائرة التي حلقت فوق القاهرة، حين كان الركاب يتبادلون في أسى خبر رحيل الدكتور مشالي، فتذكرت فؤاد حداد، وهو ينشد في جمال مصر والمصريين مرددًا: يا سامعين أبناء بلد واحدة.. تحت السما الواحدة وجيل بعد جيل.. القاهرة قالت وقولها الحق.. أشهد بأنك يا ابن آدم جميل.. في الجو ريق الإنسانية يسيل! يقول الطبيب الراحل ابن المنصورة الجميل الذي جاوز التسعين من عمره: عاهدت الله ألا آخذ قرشًا واحدًا، من فقير أو معدوم، وسأبقى في عيادتي أساعد الفقراء! ولأنه آثر المتاجرة مع الله، فقد ربح بيعه ولا نزكيه على الله.. الملايين تبكيه، والملايين تتذكره، في زمن الفيروس الذي لم يمنعه من أن يتكئ على سنواته التسعين ويواصل علاج الفقراء والمحتاجين. مع نسمات عيد الأضحي، نقول ألف رحمة ونور على روح الدكتور مشالي، وكل المضحين بعلمهم ومالهم وعمرهم من أجل الإنسانية.. إنهم الأطباء المخلصون في زمن كوفيد 19!