هل عمليةُ الموت نفسها مؤلمة؟.. سؤالٌ لا يمكن لأحدٍ أن يُجيب عليه بشكلٍ واعٍ ومؤكّد، لأنّ من اختبر الموت حقّا يكونُ قد مات، ومن مات لا يعودُ للحياة الدنيا ليخبرنا عن شعوره بِدقّة وقت الاحتضار وخروج الرُّوح.. ويغلبُ على ظنّي، أنّ الاعتقاد بأنّ الموت مؤلمٌ، ناتجٌ من الخلط بين الموت نفسه وبين آلام الجسد قبلَه، والتي تنتج من أسباب عضوية تسبقُ مرحلة خروج الرُّوح، وترتبطُ بأعراض تلَفِ الأعضاءِ والأنسجة الحية، وتنتقلُ عبر جهازنا العصبي الواعي قبل أن يتعطّل، وينطفئ الوعي تماماً. تُعطي الإشاراتُ العِلْميةُ الأوضح، انطباعاً بأن الموتَ نفسه عمليةٌ تُشبه النوم، حيثُ لا يشعرُ الإنسان فعلياً لحظة انزلاقه في لا وعي النوم، وبالتالي فهي عملية خاليةٌ من الألم، بل تُفيد تقاريرٌ حول «تجارب الاقتراب من الموت»، بأنها ترتبطُ بمشاعرِ الصّفاء والجلاء والسّلام والهدوء، وتجاوزِ حدود المكان، والخروجِ من الجسد والدخولِ في الضوء، وتتعلّقُ بالثقافة الغالبة والمُعتقدات الدينية الشّخصية. ومع الغموض الشّديد الذي يلفُّ مسألة الموت، يخشى الناسُ المجهول، وهم لذلك يتوقّعون أنّه مؤلمٌ ومزعج.. يقول الفيلسوف الإغريقي إبيكوروس (إبيقور): «لماذا نخافُ من الموت ونحنُ لا نستطيعُ إدراكَه أو رؤيته أو حتى الشعورَ به أبداً»؟!.. وقد أشار هذا الفيلسوف إلى أنّ «حالةَ عدم الشّعور بعد الموت هي الحالة نفسُها التي كنا فيها قبلَ وِلادتنا»، بمعنى آخر، لماذا نفترضُ أن خروج الرُّوح من الجسد مؤلمٌ، في حين لم يكن لنا وعيٌ وقت نفخ الرُّوح ودخولها في الجسد؟!. ستستمرُّ معضلة الموت مُحيّرةً للإنسان، لكن يبدو أن أسوأ ما في الموت انتظارُه، وليس حدوثه، ولعلّ التحرّر من الخوف من الموت، يُمكن أن يضمن قدْراً كبيراً من الطُّمأنينة النفسية، فالحياةُ نفسُها تؤلم أكثر من الموت الذي يغلبُ عليه انتهاءُ الشّعور من الأساس، بل وتخفيف الآلام عن طريق إفراز الدماغ لهرموناتٍ مُضادةٍ للألم (إندورفينز) وتُساعدُ على حجبِ الإدراك في السّاعات الأخيرةِ للاحتضار. أنقلُ حواراً وجيها يُحكى عن مُريد وشيخه: (قال المُريد: والسّبيل إلى الله؟!.. قال الشّيخ: العيشُ في سبيلِ الله أشدُّ ألماً من الموتِ في سبيله، أنت تموتُ للحظات أو دقائق معدوداتٍ لتنتقل إلى ملكوته فتفرح، أمّا أن تعيشَ في سبيله وأنت تسيرُ مُعاكِساً للحُشود السّائرة إلى هاويتِها.. فذلك هو الجِهادُ العظيم).