عندما يحضر الموت ينتهي كل شيء نعرفه، تُسدل الستائر وتُعلن نهاية الذاكرة والشعور والانتماء والوعي. للموت هيبته وهيمنته، فمن أين له كل هذا الحضور ونحن لم نجربه بعد؟ فمن ماتوا لم يعودوا ليخبرونا عمَّا حدث لهم بعد ذلك. كل ما لدينا من معلومات هي غيبيات فلا نملك أكثر مما ورد في القرآن الكريم وسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وما سواها هو محض اجتهادات بشرية فكرية تحليلية. اجتهد الفلاسفة في تفكيك لغز الموت فقد رأى فيثاغورس: أن الروح حبيسة الجسد وتتحرَّر منه بالموت، بينما قال سقراط: إن الموت هو النوم الذي لا يتخلله أحلام. السؤال الذي شغل الكثيرين هو ما سبب خوفنا من الموت؟ ما الذي يحملنا للخوف مما لا نعرفه؟ أم أن خوفنا هو من فقدان هذه الحياة التي نعلم مُسبقًا أننا مغادروها وفقًا للسنة الكونية والحقيقة الثابتة بأن الموت هو النهاية البديهية للحياة مهما تعددت أسبابه واختلفت أساليبه، فلمَ قد ترعبنا هذه الفكرة؟ قد يكون الخوف من الألم سببًا منطقيًا لارتعابنا من ذكر الموت باعتبار أن خروج الروح لن يتم إلا بمرورنا بأعلى درجات الألم ومن ثم فإننا نعتقد بأن الأموات قد مروا بتلك المرحلة التي لا نريد المرور بها. بينما هناك حقيقة علمية مؤكدة بوجود حالات مرضية قد تكون نادرة تُسمى CIBA وفيها يفقد الإنسان الشعور بالخوف أو الألم مما سيفقده بالتأكيد الخوف من الموت، لمَ؟ الجواب هو لغياب خبرته بهذه التجربة. إذًا نحن لا نخشى الموت الذي لا نعرفه أساسًا ولا نملك الخبرة فيه، بل تُرعبنا تجربة الألم، وفقدان هذه الحياة والتي لا نعرف سواها. بعيدًا عن الحقائق العلمية، فقد خلق الله الموت كما خلق الحياة ومهما تعمقنا في التفكير وتأملنا في فلسفة هذا الموت المهيب سنبقى في عَجب. وشدة خوفنا منه سيوقعنا في التشاؤم والتفكير بعدم جدوى الحياة ما دامت ستفضي بنا إلى الموت. ومن معضلات البشر شدة تعلقهم بالمجهول والمستقبل فهم إما متأرجحون بين الندم والحنين للماضي وإما في شوقٍ للقادم متناسين حاضرهم والتلذذ به. هذا الجنون لمعرفة المجهول والفضول المتقد لكشف أسرار المستقبل يقتل فيهم الحياة تدريجيًا وبدلاً من عيشها تتوه منهم في معمعة خوفهم من الموت. فكم من إنسان تأرجحت روحه بين التوق للحياة والخوف من انتهائها ليقينه بحقيقة الموت. وآخر بفلسفة مغايرة لا تؤمن بالحساب والآخروية نراه غارقًا في لجة الأسئلة الوجودية ومعنى العدم. أما أنا فما زلت غارقة في تساؤلاتي! ** ** -- حنان القعود