أواصل الحديث عن الصهيونية؛ إذ نجد اليهود الصهاينة تحت ذريعة الحق التاريخي التي يتذرعون بها يزعمون أنّ الأحساء مرّ بها سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهل مرور سيدنا إبراهيم بأية أرض أثناء تنقلاته تصبح من حق اليهود؟ ثُمّ أنّ اليهود الصهاينة يعلمون أنّ 95% من يهود العالم ليسوا من بني إسرائيل، ففي دراسة قام بها عالم أنثروبولوجي بريطاني هو «جيمس فنتون» على يهود إسرائيل توصل فيها إلى أنّ 95% من اليهود ليسوا من بني إسرائيل ا لتوراة، وإنما هم أجانب متحولون أو مختلطون. ثمّ أن سيدنا إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران: 67] وفاتهم أنّ سيدنا إبراهيم لم يكن أبًا لإسحاق فقط وإنّما كان أبًا لجدنا سيدنا إسماعيل عليه السلام أيضًا. كما أنّ خط تنقلات سيدنا إبراهيم كما ورد في سفر التكوين لم يرد فيه اسم الأحساء، وهو كالتالي: أور - بابل - حاران – شكيم (نابلس) - بيت إيل (ملاصقة لشمال مدينة رام الله - مصر - بيت إيل - حبرون (الخليل وقد سميت باسمه) - دمشق - حبرون – جرار (مدينة قديمة تقع في جنوب شرقي غزة) - بئر السبع – مريا (منطقة قريبة من القدس) - بئر السبع - حبرون»، كما نلاحظ هنا إسقاط رحلة سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى مكة، وابنه إسماعيل وهاجر، وذلك لجعلهم الذبيح إسحاق عليه السلام، لما في هذه الرحلة من تحويل خطير في نقل النبوة من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل، وهم يزعمون أنَّهم شعب الله المختار، كما ادعى وُضَّاع التوراة أنَّ الابن الأكبر لإبراهيم عليه السلام هو إسحاق في حين نجد أنَّ التوراة العبرانية تبين أنَّ إسماعيل عليه السلام أكبر من إسحاق عليه السلام بأربع عشرة سنة، وهذا يُكَذِّب ما جاء في سفر التكوين الإصحاح 22 الآية 1،2 أنَّ الله امتحن إبراهيم فقال: ها أنا ذا فقال: (خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المريَّا، واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك) فعبارة «ابنك وحيدك» كشفت زيفهم، ولكن الصهاينة اليهود تراجعوا عن هذا الإسقاط، وادعوا أنّ لهم حقًا في الكعبة لأنّ بناها إبراهيم عليه السلام، ونلاحظ تركيز اليهود والصهاينة في بحوثهم على مقام سيدنا إبراهيم مثلما خلص إليه المستشرق الإسرائيلي «ويكرت» في أطروحته من الادعاء بأنّ النبي إبراهيم مؤسس أول دين توحيدي «هو الدين اليهودي» قبل أربعة آلاف سنة، هو الذي عرف العرب مقامه في الجاهلية، ويضيف: «مع بروز فجر الإسلام كدين توحيدي عربي، احتل إبراهيم الخليل مكانة مرموقة، وورد ذكره في 25 سورة من سور القرآن (الكريم) كما احتل مقامه مكانًا بارزًا اتخذه المسلمون مصلى لهم يؤدون من ورائه ركعتين بعد إنهاء الطواف في رحاب ساحة الكعبة (الشريفة)، وأصبح إبراهيم (عليه السلام) يمثل تراثًا دينيًا مشتركًا لليهود والمسلمين» ثم يقول عن مقام سيدنا إبراهيم وأهميته في مناسك الحج،: «أنّه عنى بدراسة هذا المقام وأهميته في طقوس الحج إلى بيت الله الحرام منذ الجاهلية حتى يومنا هذا العمل فيها عبرة لمن يعتبر». [د. سهيلة زين العابدين حمّاد: وماذا بعد ياقدس؟ نقلًا إبراهيم عبدالكريم: الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل ص 188، 189] بعبارته الأخيرة يرمي إلى أهداف جد خطيرة قد أفصح عنها أحد القادة الإسرائيليين «هرتزوغ» عندما قال لامرأة مسلمة ضيّق عليها اليهود الخناق حتى هدموا دارها بالجرافات، فآثرت الرحيل إلى المملكة العربية السعودية حيث يعيش أبناؤها: «إذا رأيت الملك فيصل فقولي له إننا قادمون إليه، فإن لنا أملاكًا عنده، إن جدنا إبراهيم هو الذي بنى الكعبة، وأنّها ملكنا وسنسترجعها بكل تأكيد»، وأكّد على هذا الزعم ما جاء في كتاب الكاتب الصهيوني دينيس آفي ليبكين الذي أسماه ب»العودة إلى مكة» مؤكدًا فيه أنّ الرب وعد بنى إسرائيل بأن تمتد حدودهم من البحر المتوسط إلى نهر الفرات ومن لبنان إلى الصحراء العربية بما في ذلك مكة والمدينة، فالوعد الإلهي لبنى إسرائيل أنّ كل أرض وطأتها أقدامهم هي لهم.. وهذا يعني أنّهم يريدون السيطرة على كل بلاد العالم! هذا ومخطط اليهود للسيطرة على العالم ليس حديث النشأة، فما هو إلاَّ إحياء لتعاليم التلمود التي أكَّدت عليها بروتوكولات صهيون التي كانت من أعمال مؤتمرات زعماء الصهيونية، وكان أولها في مدينة بال بسويسرا عام 1897م برئاسة زعيمهم تيودور هرتزل (1860-1904م)، واجتمع فيه نحو ثلاثمائة من أعتى حكماء صهيون كانوا يمثلون خمسين جمعية يهودية، وقرروا فيه خطتهم السرية لاستعباد العالم كله تحت تاج ملك من نسل داود. بهذه النظرة العنصرية المتعالية يريد اليهود أن يحكموا العالم، وهذا التعالي لا يقتصر على التلمود، فالتوراة المحرفة أيضًا قائمة على ذات النظرة فاليهود يزعمون أنَّهم شعب الله المختار، والحقيقة إنَّ دعوة اليهود لحكم العالم لم تكن من وضع منشئ التلمود، وإنَّما كانت من وضع فيعون عام 30 أو 20 قبل الميلاد مستمدًا الفكرة من التوراة المحرفة؛ إذ وضع المبدأ الديني الفلسفي الذي قال: «إنَّ العنصر اليهودي يجب أن يستوطن الأرض المقدسة:أرض الميعاد والزحف منها إلى العالم والسيطرة عليه.» [د.سهيلة زين العابدين حمّاد: وماذا بعد يا قدس؟]. للحديث صلة.