لم تُضخّم وسائل التواصل (سيئة) في حياتنا المعاصرة كما ضخمت من حالة (الاستعداء) البغيضة التي وصلت حد المرض فعلاً. نحن أمة عاطفية؛ نميل الى التطرف في معظم أمورنا، فإما حب شديد أو كراهية شديدة، وتكفيك نظرة بسيطة لأي حوار أو نقاش كي تشاهد بأم عينك كيف يحاول كل طرف تجييش كل ما يمكن تجييشه، واستعداءه ضد خصمه وبأي شكل كان!. الاستعداء في أبسط تعريف هو (شيطنة) الخصوم، والتحريض عليهم فكرياً من خلال تحوير مقاصدهم لمقاصد تتعارض إما مع الدين أو مع الوطن أو مع القوانين والقيم النبيلة أو معها جميعاً.. إنها باختصار نوع من الفُجر في الخصومة. . قد يقول قائل إن هذه الصفة كانت منتشرة في زمن الصحوة، عندما كان بعض المحسوبين على الدين يضعونك عند أدنى اختلاف معهم في صدام كامل مع الدين كله، مُستعدين عليك مجتمعنا (الطيب) بأكمله نظراً لنفوذهم القوي في تلك الفترة، وهذا صحيح الى حد ما، بيد أن العدوى قد انتقلت فيما يبدو الى معظم شرائح المجتمع، بما في ذلك ضحايا زمن الصحوة أنفسهم، الذين من العجيب أنهم وبعد أن شربوا وعرفوا مرارة هذا الكأس، يمارسون الآن نفس اللعبة وبكامل قواعدها، بعدما أتيحت لهم الفرصة!. . الاستعداء ظاهرة مشينة، خاصة إذا صدرت ممن نظن فيهم الوعي والثقافة والتعليم، والمؤسف أنها شاعت في حياتنا العامة وفي مواقع التواصل لدرجة لم تعد تخطئها الأعين، خصوصاً تلك الوسائل التي سمحت بالاختباء خلف أسماء مستعارة لمن يريد. تصنيفات وتهم وقذف ودخول في النوايا ونبش في الماضي تحت يافطات وطنية، والمؤسف أكثر أن ما يقوم به هؤلاء من استعداءات وفُجر في خصوماتهم لا يختلف كثيراً عما تقوم به قناة الجزيرة وصويحباتها من قنوات الفتنة التي تمارس كل أشكال الاستعداء من خلال مغالطاتها الإعلامية، وبثها لخطابات كراهية متشنجة ضد المملكة. . سواء كان الاستعداء سياسياً أو دينياً أو اجتماعياً فإنه يعد ظاهرة مقلقة يجب علينا الشعور تجاهها بما هو أكبر من شعور الفزع، كونها رذيلة تقوم على مبدأ (المغالبة) الذي يقدم الانتصار للنفس وللرأي على مبادئ التسامح والتعايش، وعلى كل القيم الانسانية والمدنية والحضارية الأخرى، مما يجعله من أكبر مهددات الأمن الفكري، والسلم الاجتماعي.. ولأن بلادنا قدمت ثمناً باهظاً في حربها الطويلة مع الإرهاب، فإنه من المهم جداً تجريم (الاستعداء) بكل أشكاله، وتجريم تلك الخطابات المهيجة للمشاعر العدائية التي تحرّض للفعل العدائي تجاه الآخر. . حرية الرأي لا تعني الاستعداء يا سادة، ولا تعني أن من حقك تمحيص قلوب الناس واختبار دينهم أو وطنيتهم!، أليس من الفواجع أننا نحذر كثيراً من القبلية والطائفية والعنصرية ثم نسقط بسهولة في أتون ما هو أكثر خطراً وأكبر إثما منها؟!.