عرف المجتمع السعودي بتعامله مع ذوي الاحتياجات الخاصة بالكثير من الرحمة والعطف، انطلاقاً مما قامت عليه هذه البلاد من أسس ترتكز إلى تعاليم الدين الإسلامي الذي يحض على مكارم الأخلاق والتعامل الإنساني مع الجميع. كما أولت الدولة هذه الفئة الغالية على النفوس أهمية خاصة، ووفرت لها كل المعينات التي تساعدها على الاندماج الكامل في المجتمع، بل وأعطتها الأولوية في التوظيف وسبل كسب العيش الحلال، وشجعت مؤسسات القطاع الخاص على استيعابهم وتوفير أجواء العمل التي تتناسب مع ظروفهم. رغم هذا الاهتمام المتعاظم، إلا أن هناك فئة ظلت بحسن نية وبدون قصد تنظر إليهم على أنهم معوقون ولا يمتلكون القدرة على الإضافة الإيجابية للمجتمع، وتتعامل معهم من منطلق الشفقة التي تضر أكثر مما تنفع، وتترك في النفوس الحسرة والألم، وهو ما دفع كثيراً من المختصين في هذا الشأن للتنبيه إلى هذا الخطأ الكبير، والمطالبة بالتعامل مع أفراد هذه الفئة بصورة طبيعية، وإيضاح أن حرمان شخص ما من إحدى الإمكانات السمعية أو البصرية أو الجسدية لا يعني بالضرورة عدم قدرته على التفاعل الإيجابي أو عجزه عن الإنتاج. فالكثير من العلماء والشخصيات التي كان لها تأثير كبير في مستقبل الإنسانية وتطورها على مستوى العالم كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ووصلوا إلى أعلى الدرجات من خلال تدريبهم على مهارات تتناسب مع قدراتهم. خلال الأسبوع الماضي قدم صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد، أمير منطقة نجران، تعريفاً في غاية الرقي لمفهوم الإعاقة، مؤكداً خلال لقائه وفداً من إدارة التربية الخاصة بإدارة التعليم بالمنطقة أن الشخص المعوق فعلياً هو الصحيح فكرياً وبدنياً لكنه غير مفيد لمجتمعه، ولا يملك القدرة أو الرغبة في العمل والإنتاج. أما ذوو الاحتياجات الخاصة فقد تجاوزوا بعزمهم وهممهم كل التحديات، وأصبحوا ركائز نافعة في المجتمع. وهذا التعريف المتحضر يؤكد حرص الدولة على مساعدة هذه الفئة، وتمكينها من خدمة وطنها، وأن المجتمع يؤمن بقدرات أفرادها، وينتظر منهم المزيد، وهو ما جسَّده سمو الأمير الإنسان أكثر من مرة بحرصه على تشجيع ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد ظلت أبوابه مفتوحة على الدوام في وجوههم، وتوجيهاته مستمرة للمسؤولين بمساعدتهم وتمكينهم من كل أدوات الإنتاج والانطلاق في سماوات الإبداع. إذا أردنا حقاً أن ننجز عملية دمج هذه الفئة في المجتمع علينا أن نتبنى وسائل مبتكرة وغير تقليدية، لاسيما أننا نعيش عصر التقنية التي تدخل كل البيوت وتخاطب كل الشرائح العمرية، وينبغي نقل هذه الجهود مباشرة إلى المجتمع، بحيث يشارك الجميع في تنفيذها، وأن تكون البداية من المدارس والجامعات، بإقامة برامج تفاعل اجتماعي تتاح فيها الفرصة لذوي الاحتياجات الخاصة بتقديم نماذج لإبداعاتهم وابتكاراتهم، وتوعية المجتمع بطريقة التعامل المثلى معهم، وعدم إظهار الشفقة الزائدة عليهم. أما إضاعة الوقت في محاضرات وندوات تقام في قاعات مغلقة وفنادق فارهة فهذا الأسلوب لم يعد مجدياً، لأن تلك الفعاليات تقتصر على النخب ولا يصدر عنها سوى توصيات تظل حبيسة الأدراج والمكاتب.