يدور الحديث هذه الأيَّام في دول الاتِّحاد الأوربي؛ عن جدوى التحوَّل الموسمي من التوقيت الصيفي إلى التوقيت الشتوي، حيث بدأت أوربا بالعمل بالتوقيتين منذ عام 1985 بتقديم عقارب الساعة ستِّين دقيقة عند بدايات فصل الصيف، وإرجاعها لما كانت عليه مع قرب دخول فصل الشتاء، ممَّا يعني تبكير أوقات العمل، والفعَّاليَّات العامَّة الأخرى في فصل الصيف، أي ساعة عمل إضافيَّة أثناء الدوام الرسمي في النهار، والهجوع إلى النوم مبكِّرًا أيضاً. في الأثر، ممَّا يروى عن رسولنا الكريم دعاء: «اللَّهم بارك لأُمَّتي في بُكورها». وبركة البكور نهارًا، نراها من صفات الشعوب التى حقَّقت نصيبًا وافيًا من التقدُّم والرقيِّ في أمور حياتها، كاليابانيِّين وشعوب شمال أوربا. هناك، ترى غالبيَّتهم يُغادرون فراش نومهم مع الساعة السادسة صباحًا، ويغادرون منازلهم على دفعات، ما بين السابعة والسابعة والنصف، والثامنة والثامنة والنصف، لتخفيف شدَّة حركة السير في ساعات الذروة، والعودة من أعمالهم ما بين الرابعة والرابعة والنصف، والخامسة والخامسة والنصف من كلِّ يوم، لتناول وجبة العشاء الرئيسة، ما بين الساعة السادسة والسابعة. وكانوا قد تناولوا في منتصف النهار وجبة غداء خفيفة. وهذه العادة أصبحت سلوك حياة، يؤون إلى غرف النوم مع العاشرة مساء لقضاء ثماني ساعات نومًا في الفراش. يتطابق هذا البرنامج مع ما كان عليه الآباء والأجداد قبل ضعفنا أمام شاشات التلفزة وأجهزة التواصل الاجتماعي، التي تغري المنشغلين بها في السهر حتَّى ساعات الفجر الأولى، ليُحرَموا من ساعات نوم كافية في أوقاتها الصحيحة، طبقاً للتوجيه القرآني: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾. وخلافًا لإرشادات الأطبَّاء للحدِّ من الأمراض التي من أسبابها السهر، وما يُرافقه من إسرافٍ في الطعام والشراب، وتناول المكِّيفات من شاي وقهوة وخلافه. كُنَّا، وما يزال بعضنا يقوم لأداء صلاة الفجر في موعدها، وبعدها لتناول وجبة الفطور، ثمَّ التوجُّه للعمل، والطلبة للمدارس، حتَّى وقت صلاة الظهر لتأديتها في موعدها، ثم العودة للمنازل لتناول وجبة الغداء، وبعدها قيلولة إلى قرب موعد صلاة العصر. يتبع الصلاة العودة إلى العمل حتَّى غياب الشمس، لأداء صلاة المغرب، ثمَّ بعدها تناول وجبة العشاء قبل موعد الصلاة. يتبعها جلسة مع الأهل والأصدقاء، فالهجوع إلى غرف النوم لساعات كافية قبل نداء المؤذِّن: «الصلاةُ خَيْرٌ مِن النومِ». لقُرب بلادنا من الحزام النصفي للكرة الأرضيَّة، لا ضرورة ملحَّة للعمل بنظاميِّ التوقيت الصيفي والشتوي؛ بقدر ما توجد ضرورة ونحن نعمل لتحديث مملكتنا بتنمية 2030، وما قد يتبعها من خططٍ تضعنا على قدم المساواة مع الدول الرائدة في العلوم والمعارف، لإعطاء ساعات النهار حقَّها في العمل والإنتاج، وساعات الليل حقَّها في تمتين الروابط الأسريَّة والنوم في أوقاته، والتمتُّع بروحانية الساعات الأولى من الفجر، كما هو حال اليابانيِّين الذين يحتفظون بعقارب ساعاتهم على ما هي عليه من دوران على مدار السنة، ويعطون العمل ما يستحقُّه من عنايةٍ كبيرة تصل إلى حدِّ العبادة.