يذيع الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر(95 عاماً) في أحد كتبه سراً من أهم أسرار نجاحه وربما كان أحد أسرار عمره المديد، وهو تقبله للخطأ بأريحية، سواء كان مصدر الخطأ هو أو غيره، فعندما يقع في خطأ أمام أحد مساعديه، لم يكن يكابر بل يتجاوز الحرج بسرعة ودبلوماسية بالقول (رجل عجوز.. لا يزال يخطئ)!. . كثير من الناس يعتقدون أنه كلما تقدَّم العمر بالإنسان، أصبح معصوماً من الخطأ.. وهذا اعتقاد غير صحيح بالطبع.. الصحيح والثابت هو أن الإنسان يتقدم في العمر، ويتغير من الناحية البيولوجية، وتزداد تجاربه وخبراته في الحياة، لكنه يبقى إنساناً قابلاً للوقوع في الخطأ في أية لحظة.. الفارق فقط أنه يرتكب أخطاء جديدة.. مختلفة عن أخطائه القديمة التي قد يكون تعلم منها، لذا ستختلف طريقة تعامله معها.. هذا كل ما في الأمر. . الخطأ جزء من طبيعة الإنسان البشرية.. ومن يعتقدون أنه يتنافى مع النضج الإنساني مخطئون بكل تأكيد.. يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام «لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَومٍ يُخْطِئُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ». الحكمة والنضج لايعنيان أبداً عدم اقتراف الأخطاء، إنما النضج في كيفية التعامل الهادئ والمتزن مع الأخطاء، للخروج بأقل الخسائر. صحيح أنك كلما تقدمت في العمر زادت جوانب علمك وخبرتك، وتراجعت بالتالي أخطاؤك.. لكن عليك الإيمان أيضاً أن الجهل بالأشياء هو الأصل، وأن هناك دوماً جوانب جديدة من الحياة لا نملك فيها خبرات ولا إرشادات، لذا فمن الممكن أن نقع في أخطاء جديدة حتى آخر يوم في أعمارنا. . من المهم إذن قبول الخطأ الإنساني والتسامح معه، وعدم المبالغة في محاسبة النفس أو الآخرين.. إن القانون الطبيعي في هذه الحالة هو: ارفق بنفسك.. كن متسامحاً ومتقبلاً، فهذا يمثل جزءاً من النضج الإنساني المنشود، وجزء مهم أيضاً من الحكمة المفترضة في هذا العمر.. إن مجرد تفهمنا لهذا القانون وتقبُّله بقناعة، سوف يجعلنا أكثر قبولاً لأنفسنا وللآخرين، وأكثر تسامحاً معهم ورفقاً بهم. . إن ارتكاب الأخطاء في دروب الحياة ليس عيباً، العيب الحقيقي في تكرارها وعدم الاستفادة منها. النضج منطقة جميلة، لكنها ليست حتمية الوصول.. البعض يصبح في الستين من عمره دون الوصول للنضج المأمول.. لأنه لم يتعامل مع الخطأ والصواب بطريقة صحيحة. يقول دوستويفسكي في الجريمة والعقاب: »الخطأ هو الميزة التي يمتاز بها الكائن الإنساني على سائر الكائنات الحية، من يخطئ يصل للحقيقة». . الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه شيمة الكبار.. ذكر محمود شاكر في حاشية أحد كتبه أنه حُدِّث أن طه حسين قد رجع عما كان يقوله في كتبه القديمة ومنها الأدب الجاهلي، فعلق بقوله: هكذا الكبار دائماً، يخطئون في العلن، ويتوبون في السر.