حينما علمت بمرض أبي تجمدت أطرافي واقشعر جسدي، ولكن لم أبكي ولم تصدر مني أي ردة فعل، مع مضي الأيام نظرت إلى نفسي ولم أعرفها، تغيرت ملامحي، لم أعد أنا، حينها علمت جيدًا أن الحياة توقفت وأنا الآن نحو طريق جديد، فالوقت لا يمضي ومنظاري للحياة لم يعد كما كان، ففي الصباح نأخذ أجمل الكلمات من الأطباء ويأتي الليل نفقد ذلك الأمل ونتجرع الألم.. * الأسبوع الأول: منذ خبر مرض أبي عشت أشد انواع الخوف وجهل المصير، كنت في حيرة من أمري بين ابلاغ أمي وعائلتي أو البقاء صامتة حتى وقت العودة إلى الوطن، هل نبدأ العلاج خارج الوطن أم في طيبة الطيبة وتنفيذ وصيته في الدفن في (بقيع الغرقد)، ثم قررت العودة وكانت أصعب رحلة، لم يكن هناك استرخاء، كنت في قلق ومراقبة شديدة على جهاز الأكسجين المتصل بأبي. * الأسبوع الثاني: وصلنا إلى أرض الوطن، كانت ذروة المعاناة في هذا الأسبوع، بدءًا من الدخول للمستشفى وبعض الإجراءات العقيمة مثل تحويل مركز الحي للمستشفى، والتنقل بين الخاص والحكومي، استقرينا أخيرًا في مستشفى الملك فهد التي لا أخفي تعاون أطباء قسم الأورام وأخلاقهم الرفيعة وإنسانيتهم، كذلك الإداريون قمة في الأخلاق والمعاملة الحسنة، وسخر الله لأبي دكتور ممن نفخر بهم كأطباء سعوديين، وتقبل أبي الطبيب بل وأحبه جدًا.. وعقب التشخيص قرر الطبيب العلاج الكيميائي، واخبار أبي ليكون أكثر شفافية وصراحة مع مرضاه، لن أنسى تلك اللحظة، وضع يده الحنونة على رأسه من شدة الصدمة ثم بكى بكاء هز جميع أجزاء جسدي. * الأسبوع الثالث: اليوم هو يوم إعطاء أبي أول جرعة من الكيماوي، ليس من السهل أن أصف مشاعري في ذلك اليوم، فلم أذرف الدمع من عيني ولكن أوردة قلبي كانت تعتصر دمًا ودمعًا. * الأسبوع الرابع: تم الانتهاء من فحوصات وتحاليل ما بعد الجرعة الأولى، وعلى أساسها قرر الطبيب إيقاف الكيماوي حيث أن جسد أبي لم يعد يحتمل، لم يعد هناك خيارات متاحة سوى العلاج التلطيفي وهو مساعدة المريض لتحسين حياته بالاهتمام والمسكنات. * الأسبوع الخامس: هل هلال رمضان الشهر الذي يحبه أبي، ثم أتى العيد، لم يكن عيداً ولا سعيداً..هو ألمٌ وفقد، دمعٌ وحزن، ضيقّة وغَصة، ومشاعر صعب وصفها.. أبي موجود ولكنه مفقود.. * الأسبوع السادس: بينما كنت أرافق أبي، وأتحدث معه حتى وإن لم يجب طالت فترة النوم ولم يستيقظ، تملكني الخوف والقلق، حركت أطرافه، حضنته.. حتى حضر الطاقم الطبي وتم إجراء بعض الفحوصات ليتم إخباري أن أبي أصيب ب(جلطة في المخ)، إثرها لم يعد قادرًا على الأكل والشرب ولا حتى قضاء الحاجة. بين الفرح والألم أقف شامخة، ففرحي بأن الله اختارني واصطفاني لخدمة أبي وأمي من بين إخوتي الستة لرعايته في مرضه، جعلني ذلك أكثر سعادة ورضا بقضاء الله وقدره. ستظل يا أبي في قلبي وجميع توصياتك هي أمانة في عنقي حتى الموت، كن مرتاحًا فقد خلفت من بعدك الفتاة الرجل.