أظهرت الإحصاءات الرسمية السودانية أن حجم الدين الخارجي بلغ نحو 58 مليار دولار، بينما تراوح أصل الدين من 17 - إلى 18 مليار دولار، كما أن المتبقي من الفوائد والجزاءات أصبحت تساوي أكثر من ضعف المبلغ الأصلي نفسه حيث بدأ تراكم ديون السودان الخارجية منذ العام 1958 . ووفقا لتقرير البنك الدولي لإحصاءات الديون الدولية للعام 2018 فإن نسبة المتأخرات السودانية بلغت ( 85 % ) من هذه الديون ، مبيناً أن قائمة دائني السودان تضم مؤسسات متعددة الأطراف بنسبة ( 15 % )، ونادي باريس ( 37 % ) ،و ( 36 % ) لأطراف أخرى، بجانب ( 14% ) للقطاع الخاص . وكشف البنك في تقرير مشترك مع وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي السودانية, مؤخراً حول استراتيجية خفض الفقر للعام، أن المتأخرات المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية بلغت (700) مليون دولار، بينما بلغت المستحقات لصندوق النقد الدولي ملياري دولار. وبحسب تقرير تقييم للاستراتيجية المرحلية لخفض الفقر فإن نسب الديون الخارجية أعلى من الحدود الاسترشادية حيث بلغت (166%) من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بالحد البالغ 36%، وبحسب إحصاءات البنك الدولي للإنشاء والتعمير فقد بلغت الديون في العام 1973 أقل من مليار دولار، وأدت الأعباء المترتبة على هذه الديون والمتمثلة في مدفوعات الفائدة وأقساط استهلاك الدين إلى تزايد مستمر في حجم الدين، حيث وصل أصل الدين إلى (11) مليار بنهاية العام 1998 فيما بلغت جملة الديون (أصل وفوائد) في نهاية العام 1999 حوالي (20) مليار دولار. وقد أثر تفاقم أزمة الديون على النمو والتنمية الاقتصاديّة في السودان، حيث نتج عنه تراجع العديد من القطاعات الاقتصاديّة، وتدهور البنى التحتية وارتبط ذلك بمجموعة من الأسباب منها التضخم بسبب ظهور عجز في الميزانيّة الماليّة، حيثُ شهد معدل التضخم ارتفاعاً مستمراً وأسهم ارتفاع مستوى الأسعار في انخفاض قيمة النقود، ونتج عن ذلك تراجع لرأس المال، والاستثمارات المرتبطة بالقطاع الخاص؛ بسبب الخوف من اختلال التوازن الاقتصاديّ في السودان، وظهرت نتيجةً لذلك نُدرة في احتياطيّ النقود الأجنبيّة، وبالتالي انخفاض قيمة الجنيه السودانيّ مقارنةً مع سعر صرف اليورو والدولار الأمريكيّ وارتفع العجز في الميزان التجاريّ؛ نتيجةً لتراجع الصادرات الاقتصاديّة الاستفادة من مبادرة إعفاء الديون (هيبك). وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير أن "السودان يستحق منذ فترة طويلة أن يتمتع بمبادرة إعفاء الديون على الدول النامية المثقلة بالديون (هيبك)، وقد استوفى السودان كل الاشتراطات الفنية اللازمة للاستفادة من هذه المبادرة بخاصة أن ذلك الدين شكّل ضغطاً على الاقتصاد الوطني. وقال الناير :" إن السودان لم يُعفَ ضمن تلك المبادرة بسبب "رؤية المجتمع الدولي السلبية للحكومة السابقة"، وأسهم ذلك أيضاً في عدم حصول السودان على إعفاءات عقب انفصال دولة الجنوب في 2011، ومطالبة البلدين بتطبيق مبادرة "الخيار الصفري" والإعفاء المتبادل من الدين وذلك حتى تستطيع الدولتان النهوض في المرحلة المقبلة ودون أعباء إلا أن ذلك لم يتم " . وبين أن المناخ في السودان الآن أصبح مؤاتياً أكثر من ذي قبل بعد التغيرات التي حدثت في الساحة السياسية وإسقاط النظام وأن هذا مؤشر جيد يسهل تحرك السودان لإعفاء ديونه الخارجية حتى يتعافى الاقتصاد تدريجيا ويتغلب على التحديات التي يواجهها، مبيناً أنه إذا تم خلال العام الحالي رفع اسم السودان عن قائمة الدول الموسومة بالإرهاب الدولي، فإن ذلك سيعطي مؤشراً ايجابياً يسهّل عملية إعفاء الديون الخارجية جزئياً أو كلياً، ويمنح البلاد فرصة الاستفادة من القروض الدولية بشروط ميسرة، ويمكّن القطاع المصرفي السوداني من التعامل مع نظيره الدولي. من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم إبراهيم أحمد أونور:" مازال امام السودان طريق طويل فيما يخص البنى التحتية وهي مكلفة ولا يمكن لأي دولة بمفردها أن تقوم بهذا الجهد، وإنما يتطلب تضافراً ودعماً خارجياً، مبيناً أن السودان إذا وجد هذه الفرصة ووفر المبالغ التي يتحصل عليها من خلال إعفائه من الديون الخارجية فسيمكنه ذلك من الانطلاق إلى الأمام، كون أهم القيود التي تقف أمام الاقتصاد السوداني هي البنى التحتية، وتشمل الطرق والجسور والري والكهرباء والمطارات والموانئ البحرية، وهذه جميعها توقفت في فترة الحظر الأمريكي وبالتالي أصبحت التكلفة إضافيةً، داعياً إلى اتباع الخطط الاستراتيجية بفتح قنوات تعاون مع الدول الخارجية. وقال رئيس قسم الاقتصاد بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة الخرطوم الطيب أحمد شمو:" إن الديون الخارجية ترتبط بالدول المصنفة أي الدول "المثقلة بالديون"، ويسعى السودان أن يُعفى من الديون من قبل السوق الأوروبي، وأن تكون لديه إعفاءات في الجدولة، ولكن لا يوجد إعفاء بالكامل، وإنما هي تسهيلات طويلة المدى بفوائد هامشية أو رمزية". وأكد أنه ليس أمام السودان سوى إدارة موارده بكفاءة عالية خاصة "الذهب"، كون تكلفة استخراجه رخيصة في السودان ويعد أحد الموارد المنقذة للاقتصاد السوداني، مبيناً أنه يجب على السودان إدارة مواردة بخطط سليمة في المصادر التي تعمل على تحسين المدفوعات كالصمغ العربي أو الحبوب الزيتية أو الثروة الحيوانية. ودعا شمو إلى إقامة بورصات في جانب التسويق للذهب والصمغ العربي والثروة الحيوانية والسمسم، وعلى من يريد شراء هذه السلع أن يأتي إلى السودان، مبيناً أن العلاقات الخارجية إذا كانت قائمة على الندية يجب مراجعة السياسات نحوها، داعياً لوضع جدولة تحقق البلاد من خلالها استراتيجيتها. وأوضح الخبير الاقتصادي طه حسين أن إدراج اسم السودان ضمن قائمة الإرهاب أرهق موازنة الدولة وحرمها من الامتيازات التي تتمتع بها جميع الدول الأخرى كالاستدانة بشروط ميسرة من صناديق التمويل الدولية، إضافة أن هذا الأمر أدى إلى عزل المصارف المحلية عن النظام المصرفي الدولي، وعدم قدرة السودانيين العاملين في الخارج من تحويل أموالهم التي قُدرت ب 6 مليارات دولار سنوياً، عبر النظام المصرفي الرسمي. وربط الخبير الاقتصادي بين قدرة السودان على تحقيق إصلاحات اقتصادية حقيقية وبين رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. إذ يمكّن ذلك السودان من إيجاد أسواق عالمية لمنتجاته الزراعية بخاصة الحبوب الزيتية والصمغ العربي، الذي يُعد المحصول الاستراتيجي بالنسبة إلى السودان، ويضمن ذلك تحقيق عائدات من تلك الصادرات تراوح بين 14 و20 مليار دولار سنوياً. وتسهم تلك الأرباح بصورة كبيرة في سداد الديون الخارجية المتراكمة منذ نحو ستة عقود. ويقول الخبراء أن الاستثمار هو المخرج الوحيد لاستغلال موارد السودان المتنوعة، وأن على أصحاب رؤوس الأموال ضخ مبالغ ضخمة لاستخراج كميات مهولة من المعادن والنفط التي يزخر بها السودان في مواقع مختلفة. وقال الخبير المصرفي الشيخ وراق: " إن على السودان إزالة المخاطر من أمام المستثمرين وجذبهم بالتسهيلات ومنحهم امتيازات" . وأكد الخبير المصرفي أحمد حمور أهمية الاستثمار وضرورة تهيئة البيئة للمستثمرين، مطالباً الحكومة أن تفرض أولوياتها في الاستثمار، وأن تضع شروطا واضحة في هذا المنحى للمستثمرين، مبيناً أنه يجب رهن التسهيلات والمزايا بمدى الالتزام بها والالتزام بالخارطة الاستثمارية، مبيناً أن القطاع المصرفي لا يمتلك القدرة الكافية لتقديم تمويل طويل الأجل ومتوسط الأجل للقطاعات الإنتاجية الحقيقية مثل الزراعة والثروة الحيوانية. وكان بنك السودان المركزي، قد أعلن عن رفع سعر الصرف الرسمي للعملة إلى 45 جنيهاً مقابل الدولار بدلاً من 47.5، كما شهدت السوق الموازية للعملات ارتفاعاً كبيراً في قيمة الجنيه السوداني، وبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 50 جنيهاً بدلاً من 54 وقبلها كان قد تجاوز السبعين جنيها للدولار في بداية العام 2019م . وكان رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان قد أعلن ضخ عملات أجنبية في خزينة المصرف المركزي، وهذا ما أدى إلى انخفاض كبير في سعر الدولار مقابل الجنيه، وفق خبراء محليين.