في الحملة الانتخابية الرئاسية وفي الكونغرس الأميركي، لا يتوانى الديموقراطيون عن تحدي الشركات العملاقة في "وول ستريت" معلنين انطلاق "عصر جديد"، مع الأمل في تنفيس الغضب الذي لا يزال سائدا بقوة لدى جزء من ناخبيهم منذ الأزمة المالية في 2008. واستدعت لجنة برلمانية في الكونغرس للمرة الأولى منذ هذه الأزمة، رؤساء مجالس إدارة كبرى المصارف الأميركية لتأدية القسم سويا الأربعاء. وشكّل هذا المشهد مؤشرا هاما إلى تغيّر الأكثرية أخيرا في مجلس النواب الذي استعاد الديموقراطيون الهيمنة عليه في كانون الثاني/يناير بعدما استحوذ الجمهوريّون على أكثرية مقاعده طوال ثماني سنوات. ووصفت ماكسين ووترز وهي أول امرأة وأول شخص أسود يقود لجنة المال النافذة في مجلس النواب الأميركي، هذا التغيير بأنه بداية "عصر جديد". وكان المدير العام السابق لمصرف "ويلز فارغو" تيم سلون قد أدلى بشهادته خلال جلسة استجواب حامية أمام اللجنة الشهر الماضي. أما هذه المرة فقد خضع للاستجواب قادة المصارف الأميركية السبعة الكبرى وهي "سيتيغروب" و"جاي بي مورغان تشايس أند كو" و"مورغان ستانلي" و"بنك أوف أميركا" و"ستايت ستريت كوربوريشن" و"بي أن واي ميلون" و"غولدمان ساكس". وفي أوج الأزمة حين كان النظام المالي العالمي برمّته مهددا، خاضت ماكسين ووترز سجالات حادة مع بعض من هؤلاء القادة الماليين. أما الآن فقد ركزت جلسة الاستماع على الأثر الاجتماعي لبورصة "وول ستريت" أكثر من الاستقرار المالي. وقالت ماكسين ووترز لهؤلاء "أنتم، يا قادة الكون، تتمتعون بما يكفي من الذكاء وحس الإبداع" لتخفيف عبء المديونية على ملايين الطلاب الأميركيين. وحمل الديموقراطيون في لجنتها على الهوة بين هؤلاء المدراء وجميعهم رجال بيض أثرياء، وباقي أفراد المجتمع، فيما اعتبر مسؤول جمهوري أن جلسة الاستماع هذه ترمي حصرا إلى "استثارة الاهتمام الإعلامي". وبرز خلال الجلسة تصريح لافت لرئيس مجلس إدارة مصرف "سيتي غروب" مايكل كوربات أكد فيه أنه لو كان موظفا عاديا في المصرف براتب أقل ب500 مرة من راتبه الحالي، كان ليتمسك بالأمل في "اغتنام فرصة التقدم". وأثار الموقف استياء النائبة الديموقراطية نيديا فيلازكيز التي قالت "لهذا السبب الناس الذين يعيشون في قوقعة وبرج عاجي لا يسعهم فهم الغضب السائد في الخارج خصوصا لدى جيل الألفية". هجوم مضاد يعوّل الديموقراطيون على الإفادة من هذا الغضب المتعاظم رغم النمو الاقتصادي القوي ونسب البطالة الضعيفة. وهم لن يكتفوا بمحاولة الحفاظ على أكثريتهم في مجلس النواب سنة 2020 بل سيسعون أيضا للاستحواذ على الأكثرية في مجلس الشيوخ وحتى بالعودة إلى البيت الأبيض. وتحتل "وول ستريت" ورؤساء الشركات الكبرى موقعا هاما في حملات مرشحين كثيرين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي تحضيرا للاستحقاق الرئاسي، وعلى رأسهم العضوان التقدميان في مجلس الشيوخ برني ساندرز وإليزابيت وارن. وتعهد الاشتراكي برني ساندرز بأن "ترمي حملتنا إلى مكافحة مجموعات المصالح الكبرى التي تهمين على حياتنا السياسية والاقتصادية". وكان هذا العضو المناوئ ل"وول ستريت" تقدم نهاية العام الماضي بمشروع قانون يرمي إلى "تحطيم المصارف الكبرى في البلاد". كذلك فإن إليزابيت وارن التي عُرفت بانخراطها الكبير قبل عقد من الزمن في الإصلاحات والخطط الإنقاذية بعد الأزمة المالية، جعلت من كبح جماح "وول ستريت" واحدة من أبرز معاركها. وهي قدمت في هذا الإطار سلسلة وعود مفصلة تشمل تفكيك عمالقة شركات التكنولوجيا وزيادة الضرائب على الشركات العملاقة وتشديد القيود المالية. كما أبدت إليزابيت وارن سعادتها باستعادة زملائها الديموقراطيين موقعهم الهجومي في الشأن المالي. وقالت "الجمهوريون حاولوا قدر المستطاع تقليص الرقابة على المصارف الكبرى، وها هم الديموقراطيون يقومون بهجوم مضاد". وأشارت إلى أن المصارف "باتت اليوم أكبر من أي وقت مضى واستعادت عاداتها القديمة من خلال محاولة إخفاء مكامن الخطر في نتائجها المالية". وأضافت "بهذه الطريقة وصلنا إلى الفوضى في 2008 التي كادت تأتي على الاقتصاد العالمي ولهذا السبب يجب إخضاعها لقيود أكبر اليوم". من جهة اخرى يوسّع المرشحون الديموقراطيون الساعون لتمييز أنفسهم في ساحة مكتظة بالمنافسين تحركهم عبر التوجه إلى مناطق خارج الخارطة التقليدية لتحركات هؤلاء، بينما لا تزال المرحلة الأولى من الاقتراعات التمهيدية في انتخابات 2020 الرئاسية على بعد عشرة أشهر. ولطالما تم تجاهل عدة ولايات لا تقدم أصواتا كثيرة أو تصوت متأخرة في الانتخابات التمهيدية، في بداية المنافسة للفوز بترشيح الحزب. وهكذا هو الحال بالنسبة ليوتا، إذ بإمكان تأثير الولاية الذي يعد ثانويا أساسا أن يتراجع في 2020 مع إدلاء السكان بأصواتهم في اليوم ذاته من شهر آذار/مارس إلى جانب عشرات الولايات الأخرى بما في ذلك تلك الأكثر تأثيرا -- كاليفورنيا وتكساس. مع ذلك، تتوجه المرشحة الديموقراطية إليزابيث وارن إلى سولت ليك سيتي، عاصمة يوتا، الأربعاء للقاء الناخبين على أمل تحقيق تقدم على منافسيها. والشهر الماضي، نظّمت المرشحة الليبرالية تجمعات انتخابية في ولايات ألاباما وتينيسي ومسيسيبي التي لا يهتم المرشحون فيها بالانتخابات عادة إلا قبل أيام من الاقتراع التمهيدي. وقالت وارن "أترشح لمنصب رئيس الشعب كله، وهو ما يعني أن عليّ الخروج والتحدث إلى الناس في كل أنحاء هذا البلد وتأسيس حركة شعبية تمتد من ساحل لآخر". وأضافت "هكذا سنفوز في 2020". تقليديا، يركز المرشحون في الفترة التي تسبق التصويت الذي يحدد المرشحين للرئاسة، على الولايات الأربع التي تصوت مبكرا - آيوا ونيوهامبشير ونيفادا وكارولاينا الجنوبية. لكن الظروف مختلفة هذه المرة مع تنافس عدد أكبر من المرشحين من حزب واحد لتولي منصب الرئيس مقارنة بأي انتخابات أميركية حديثة. وبات عدد المرشحين من الحزب الديموقراطي 18 بعدما أعلن عضو الكونغرس إريك سوولويل عن قراره خوض السباق الاثنين. ويشير الخبراء إلى أن اتساع رقعة المنافسة قد تعقّد جهود أي مرشح في كسب غالبية كبيرة من المندوبين، ما ينجم عنه معركة انتخابات تمهيدية مطولة. ويحاول الديموقراطيون الساعين لمنافسة الرئيس دونالد ترامب في 2020 تحقيق توازن بين الضرورة الملحة لزيارة الولايات التي تصوت مبكرا وتعريف الناخبين بأنفسهم في أماكن أخرى ولقاء المانحين في المدن الثرية على غرار لوس أنجليس ونيويورك لجمع الأموال اللازمة لدعم حملاتهم. وزار مرشحون ديموقراطيون 21 ولاية على الأقل وأكثر من مئة مدينة في آذار/مارس في مسعى للحصول على الأموال والدعم، خاصة من الولايات الأربع التي تصوت مبكرا، لكن كذلك من أماكن أخرى على غرار فلوريدا وجورجيا ونبراسكا وتكساس. وقال استاذ العلوم السياسية في جامعة يوتا جيمس كاري "لا أتذكر دورة قام خلالها مرشحو الانتخابات التمهيدية الديموقراطيون بحملات مبكرة لهذه الدرجة في ولايات على غرار يوتا أو غيرها من الولايات التي تصوت متأخرا". وأضاف أن المرشحين يتبعون النهج الشامل مبكرا كونهم يعتبرون أن الولايات التي تصوت متأخرة "قد تكون أهم من ذي قبل" في العملية الانتخابية هذه المرة. "قيمة استثنائية" على مدى عقود، تمثل التقليد في تثبيت المرشحين لفرق حملاتهم الانتخابية في آيوا ونيوهامبشير - أول وثاني ولايتين تصوتان في الانتخابات. وقام جيمي كارتر بذلك بالفعل في آيوا وفاز بالرئاسة عام 1976. وبعد 32 عاما، كسب باراك أوباما هذه الولاية الريفية ذات الكثافة السكانية المنخفضة لكن تأثيرها حاسم. وقال كاري "لا أعتقد أن هذا هو الواقع الآن". وبينما لا تزال آيوا نقطة ارتكاز سياسي في عمليات الترشيح، إلا أن المرشحين باتوا يتنقلون في أنحاء البلاد بشكل متزايد. وتعهّد المرشح جوليان كاسترو، الذي كان من أعضاء إدارة ترامب، بتنظيم حملات انتخابية في كافة الولايات ال50. وفي الماضي، كانت كاليفورنيا - الولاية التي تضم أكبر عدد من المندوبين - ثانوية نظرا إلى تأخرها في التصويت. لكنها باتت تلعب دورا أكبر فقدمت تاريخ الانتخابات التمهيدية فيها إلى "الثلاثاء الكبير" في آذار/مارس العام المقبل مع تكساس. ولن تنتظر هاتان الولايتان قرار الولايات الأربع الأولى لتنظيم الحملات الانتخابية. وكان بيرني ساندرز بين الذين سافروا إلى كاليفورنيا حيث أقام تجمعات انتخابية حاشدة الشهر الماضي. وبينما تعد كاليفورنيا معقلا لليبراليين، سيتوجه ساندرز الجمعة إلى منطقة "حزام الصدأ" التي تشمل ولايات ميشيغان وويسكنسن وبنسلفانيا حيث كان قطاع الصناعة قويا في الماضي، في مسعى للوصول إلى الناخبين من البيض من الطبقة العاملة الذين دعموا دونالد ترامب. أما المرشح بيتو أورورك، فأكمل جولة في إطار حملته عبر هذه الولايات إضافة إلى أوهايو، التي تمكن ترامب من كسبها للفوز بالرئاسة في انتخابات 2016. وأشار استاذ العلوم السياسية في جامعة ويسكنسن-ماديسون باري بردن إن لويسكنسن "قيمة استثنائية" لأنها ستشهد انتخابات تمهيدية وحدها في نيسان/ابريل المقبل بينما يتوقع أن تلعب دورا مهما للغاية في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020. وأضاف بردن أن "هناك قيمة رمزية في الالتفات للولايات المتأرجحة في وسط غرب الولاياتالمتحدة التي فاز فيها ترامب بفارق ضئيل ما أدى إلى فوزه" في الانتخابات.