بينما لا زال العالم يكفكف دموعه، ويضمد جراح الحزن على شهداء مسجدي مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا، يوم الجمعة الماضي 15 مارس 2019م، تأتي ضربة -ربما- عنصرية أخرى موجعة للمهاجرين والمسلمين في دول الغرب، حيث تم إطلاق النار في مدينة أوتريخت الهولندية، رغم أن حادثة أوتريخت لم تستهدف المساجد إلا أن منظمة اتحاد المساجد المغربية حذرت المسلمين من الذهاب إلى المساجد ودعت إلى إغلاقها، ماذا يعني هذا؟ هل الإرهابي في أوتريخت دوافعه عنصرية موجهة ضد المسلمين أو العرب المتواجدين بكثرة في المدينة الطلابية، أم أنه إجراء وقائي استباقي؟ فلم يتم القبض على الإرهابي ولم يفصح عن دوافعه كما فعل الإرهابي الأسترالي في نيوزيلندا! حادثة أوتريخت خلفت قتيلاً واحداً وثلاثة جرحى، بينما حادثة نيوزيلندا خلفت 49 قتيلاً و48 مصاباً، لأنها كانت بيد متطرف يميني وضع كل كراهيته وعنصريته في زناد سلاحه الرشاش، هل الإرهابي في أوتريخت ليس بذات العداء والعنصرية أم أن دوافعه مختلفة عن سابقه؟، كل هذه أسئلة طرقت رأسي وأنا أتابع هذه الحادثة من الرياض بينما كنت أتابع الفيلم الوثائقي الذي عرض في معرض الكتاب للرياض حول العنصرية، من خلال الهاتف، كانت هذه المقالة عن معرض الكتاب لكن الكاتب أحياناً لا يتمكن من السيطرة على القلم يتجه وجهة ربما لم يكن مخططاً لها، لكن الحدث وانفعاله به يصبح هو المسيطر على فكره، ولأن الحادثتين توضحان مدى الخطر العنصري الذي يحيق بالمسلمين في أوربا، وأنه تخطى المشاعر العدائية الفردية التي راح ضحيتها طلبة وطالبات مسلمون ومهاجرون إلى طغيان مشاعر العداء العنصري وتحوله إلى إبادة جماعية كتلك التي نقرؤها في كتب التاريخ أو نشاهدها من خلال الأعمال السينمائية أو الوثائقية، أو لأننا كنا نخاف من كل حادثة إرهابية تحدث في الغرب، كي لا يكون الفاعل منتمياً إلى العروبة أو الإسلام بعد موجة الحوادث الإرهابية للتنظيمات الإرهابية المتأسلمة في كل بقعة على سطح الكرة الأرضية، والتي أوجدت مصطلح الاسلاموفوبيا في الغرب كي لا تلطخ ثوب الإسلام الناصع البياض مما ألصق به من أعمال إجرامية ليس لها علاقة بالأديان كافة، مع أن تاريخ الإرهاب في الغرب سواء باسم الدين أو عصابات المافيا أو العنف العنصري كلها تؤكد على أن العنف والإرهاب ليس خاصاً بدين أو بجنس أو بوطن. الإرهابي في أوتريخت أطلق النار بانتقاء ضحاياه ممن ينتمون إلى عرق أو يرتدون زياً معيناً وربما اختار الحي أيضا بشكل عنصري، أوتريخت مدينة طلابية وتكثر بها المساجد، إذا أوتريخت مدينة يكثر بها المسلمون، والإرهابي كان ينتقي ضحاياه في محطة القطار من الذين كانوا ينتظرون الصعود إلى القطار، ربما حادثتا اطلاق النار في نيوزيلندا وهولندا أثارتا قضية العنصرية الغربية ضد الإسلام والمسلمين، أو ضد الاسلاموفوبيا، أو العنصرية العرقية.. الارهابي الأسترالي الذي خطط جيداً لجريمته وقام بالبث المباشر خلال الجريمة ونشر تقريراً من أكثر من 70 صفحة على الانترنت، يشرح فيه عنصريته المقيتة ضد التواجد الإسلامي في الغرب، كان واضحاً الهدف الدنيء والحقد الأسود ضد الآخر المختلف عرقياً وعقائدياً، والارهابي الآخر ربما أفصح اطلاقه النار الانتقائي عن عنصرية مقيتة وكراهية عرقية وعقائدية لمن يشاركه أرضه ويقتسم معه خيراتها، لكنها تظل مشاعر عدائية وعنصرية فردية، يعبأ بها بعض الفاشلين والمرضى النفسيين لكن الخطر في سهولة تملكهم السلاح وحمله والتنقل به دون رقيب أو حسيب، هي هذه إشكالية الغرب مع المتطرفين والإرهابيين الذين يباغتون ضحاياهم في المسجد أو المدرسة والجامعة والشارع أو في محطة القطار!.. هل الإجراءات الأمنية التي تتخذها نيوزيلندا أو هولندا لمكافحة الإرهاب وحماية المساجد بعد الحادثتين ستنهي العنصرية أو حوادث الإرهاب التي لم تعد وصمة إسلامية، بل عنصرية ونتيجة عوامل اجتماعية ونفسية،أم لابد من إجراءات أخرى تعالج المشاعر العدائية والعنصرية مع الإجراءات الأمنية؟!