هوية كل منطقةٍ في العالم تظهر في الفلكلور الثقافي الذي يمثّلها، والخاص بأهل تلك المنطقة، رقصاتهم الشعبية، موسيقاهم، ولبسهم الخاص وعاداتهم، وفي المملكة يتجلى حضور الفلكلور الشعبي لدى سكّان الريف من قبائل الجنوب والشمال، والتي لم تذوّبها -بعد- المدنيّة. من أهم مظاهر الفلكلور هي الرقصات الشعبية لأهالي المنطقة، أو «العرضة» كما تسمّى في الجنوب، ويرتكز هذا التمظهر بوجود الشاعر كلسانٍ للقبيلة، ومؤدي العرضة من حوله، يختلف الشاعر هنا حسب نوعية المواضيع المطروحة، ومدى مقدرته على التعبير عنها بالمستوى المطلوب، ووجوده مهم، ولا يقوم الحفل بدون حضور الشاعر. وفي السنوات الأخيرة لاحظنا ظهور ما يسمى «الشيلات»، وهي أبيات ملحّنةٌ بطريقة ما على لحن معين، وتختلف الشيلات حسب غرضها فمنها ما هو مدح، أو حكمة، والغالب الأعمّ منها هو فخرٌ بالقبيلة، وامتداحٌ لها. لا أعلم في الحقيقة كيف نشأ هذا النوع من الفنون، ومتى بالتحديد، وأزعم أن الأمر يحتاج إلى بحثٍ طويل حتّى يُعرف كل ذلك. لكنّ ما يهمّني هو ما حصل في السنوات القليلة الماضية، فقد اجتاحت الشيلات كل الفنون الشعبية الأخرى، حتى شوّهتها، بل ووصل الأمر إلى الاستغناء عن العرضة الجنوبية وأعرافها، من انتظام الرجال في الصفوف، إلى تكرار حركات العرضة بطريقةٍ منتظمةٍ موحّدة، فاستُبدل الشاعر بصوتِ يصدرُ من سمّاعةٍ ويردّد أبياتاً في أغلبها مديحٌ أصحاب الحفل، واستبدل الزير الذي يحيي أي محفل: بلحنٍ لا يمثّل تراث المنطقة ولا يعكس تاريخها الأثير، وانتثرت صفوف الرجال إلى جماعاتٍ غير منتظمةٍ تحاول مواكبة هذا اللحن الدخيل على ما تعوّدوا عليه. ليس عندي مشكلةٌ في حضور الشيلات في مجتمعنا، واتسّاع شريحة مستمعيها، إنما مشكلتي إذا طغت على الفنون الأخرى ودخلت عليها، لتمسخها إلى شيءٍ لا يمكن أن ندعوه «عرضة»، ولا يمكن أن ندعوه ب»شيلة»، إنما هجينٌ غير مقبولٍ ثقافيًا، ولا ذوقيًا عند شريحةٍ كبيرة من المعتزّين بتراثهم وهويّتهم.