القيمة الحقيقية للإنسان ليست فيما يضاف إليه من خلال منصبه أو ماله أو جاهه أو حسبه أو نسبه بل القيمة الحقيقية له فيما يضيفه هو إلى مجتمعه ووطنه من خير ومنفعة، فالإنسان المتوازن هو الذي يستطيع أن يكسب احترام الآخرين بما يمتلكه من قدرات ومهارات وأسلوب في التعامل وشخصية استطاع بتوفيق الله ثم بإمكانياته أن ينميها ويطورها ويجعلها أنموذجًا يحتذى، فهي رأسماله الذي يمتلكه، أما ما يضاف إليه من مال أو جاه أو منصب فهي أمور غير مضمونة ولا مستقرة على الإطلاق. ما يلاحظه كثير منا أن بعض الأشخاص ما أن يتقلد منصباً ما إلا ويصبح شخصاً مختلفاً تماماً فلا يتواصل مع زملائه السابقين وينقلب عليهم ويتمرد على التواصل معهم وتبدأ ملامح شخصية جديدة له في الظهور مثل عدم الرد على الهاتف أو عدم الرد على الرسائل الهاتفية وتظهر الحواجز البشرية والصناعية حوله فيصبح الوصول اليه مستحيلاً، فهناك مكتب الاستقبال ثم السكرتارية ثم مدير إدارة المكتب ثم مدير المكتب ثم المشرف على المكتب وإن تمكنت من اختراق كل تلك الحواجز وتمكنت من لقاء ذلك الصديق وحظيت بشرف رؤيته فقد لا تتجاوز تلك المقابلة الدقائق المعدودة، والتي قد يتخللها عدد من الاتصالات الهاتفية وقراءة بعض الخطابات وتوقيع بعض المستندات. أحياناً تكون بعض المناصب لعنة على أصحابها فهي تبعدهم عن أصدقائهم ومجتمعهم وبيئتهم فتراهم يتحولون إلى شخصيات مختلفة وتتغير حياتهم تغيراً جذرياً وكأن هذا المنصب قتل شخصياتهم الحقيقية وسحق كل القيم الموجودة بداخلهم فلم يعودوا يتذكرون الأيام الخوالي ولا الأصدقاء المخلصين بل قد ينكرون معرفتهم ببعض الأفراد أو حتى بعض الأقرباء. بعض أولئك المتحولين يختفون فجأة بعد أن يتركوا مناصبهم التي تقلدوها سواءً بإقالتهم أو بناء على طلبهم، فلا تكاد تسمع لهم ذكراً أو ترى لهم أثراً بل قد يظنهم البعض أنهم قد ماتوا وهم أحياء، فبعد أن كانت سمعتهم وسيرتهم تملأ الأرجاء عند وجودهم في مناصبهم، تراهم اليوم وقد أصبحوا من التاريخ لا أحد يعرف ما مصيرهم. إننا نرى يومياً كثيراً من هذه الأمثلة وفي مختلف المناصب والتي يجب علينا أن نتأمل فيها ونتدبر في شأن أصحابها وأن ننصح كل صاحب منصب أن لا يغتر بمنصبه وأن لا يجعل ذلك المنصب يغير من شخصيته وأسلوب حياته وأن يتمسك بمبادئه وأخلاقه، فالمناصب تأتي وتزول ولا يبقى للإنسان بعد ذلك إلا ذكره وسيرته، فانظر يا صاحب كل منصب كيف تريد أن يتذكرك الناس لأنك لن تبقى في منصبك.