كنت ولا زلت شغوفاً بتعلم فن الإتيكيت، وما كتب في هذا الشأن قليل ونادر وأغلبه يحكي تجربة شخصية في العمل الدبلوماسي وما إلى ذلك. كنا نتحدث في هذا الشأن مع بعض الأصدقاء وعن بعض المواقف الحرجة إلى أن ساعدتني الصدف للقاء الأخ السفير دكتور جمال بن عبدالعزيز رفة في أحد البنوك ثم قضاء بعض الوقت معه في مطعمه الشهير بشارع الأمير نايف بأبحر الشمالية بصحبة الدكتور عبدالرحمن عبدالله خياط استشاري القلب وأحد النبلاء الذين خدموا المرفق الصحي بكل أمانة وإخلاص. وتذوقنا في ذلك المطعم ما لذ وطاب، وبعد نقاش جميل في موضوعات مختلفة ورداً على بعض استفساراتي فاجأنا بتقديم كتابه وهو عنوان هذا المقال وهو ما وصفه في كتابه بأن الاتيكيت (هو جملة من المعارف والعلوم يتمثله الإنسان منهجاً وسلوكاً في جميع مناحي الحياة).. واحتوى الكتاب على أربعة فصول شملت العادات والتقاليد والبيئة ومدى تأثيرها في السلوك الإنساني وفيها عدة مباحث منها الحضارة الإسلامية ومدى تأثيرها على الآخر وتطور السلوك الإنساني وتأثيره على قواعد العمل الدبلوماسي (البروتوكول، الإتيكيت، المجاملة) ويشرح في الفصل الثاني مفهوم الإنيكيت ومكونات هذا المصطلح، أما الفصل الثالث فخصصه عن السلوك الإنساني في المنهج الإسلامي وتأثيره على الفكر الغربي، وخصص الفصل الرابع للسلوك العام وآداب التعامل الاجتماعي والقواعد الهامة لسلوكيات الفرد في المناسبات الرسمية والعامة، تضمن قواعد وآداب التعارف واللقاءات، الحوار والاجتماعات، آداب تناول الطعام وإعداده وقواعد الجلوس حول المائدة والمآدب الرسمية وحفلات الاستقبال وقد شمل الأمر آداب وسلوك استخدام الهاتف النقال (الجوال). لعل من نافلة القول الإشادة بالتوفيق الذي صاحب المؤلف من جوانب عدة لعل من أبرزها المنهجية العلمية والتوثيق، إضافة مصطلح جديد ومهم وهو (الإنيكيت) كبديل لما تعودنا عليه (الاتيكيت) وهو لفظ غربي الأصل، ولعلي أستعير ما دوَّنه المؤلف بأن ما يميز هذا المصطلح (الإنيكيت) هو تجاوزه المفهوم الغربي للاتيكيت من سلوك وقيم أشمل وأعمق، فقد حمل في ثناياه ومضمونه قاعدة حسن وسلامة السلوك في السر قبل العلن من مبدأ العبادة وهو أن الله يراك وإن لم تكن تراه، ولم يفت على المؤلف أن يشير بأن الخطاب في هذا الكتاب جاء انطلاقاً من الانفتاح والحوار بين الحضارات وتأكيداً على التواصل والتعايش بين الأمم المبني على العدل والحوار، والتفاهم والاحترام المتبادل مع الحفاظ على التميز العقدي والثقافي لكل ثقافة وكل إنسان. وفي الكتاب ما يؤكد أسبقية الإسلام في تأسيس قواعد وقوانين وأنظمة الحياة المشتملة لشئون الفرد والجماعة ليس في حال السلم فحسب بل حتى في حال الحرب. والكتاب بمضامينه وأسلوبه التنويري أضاف إليّ الكثير مما كنت أتوق الإطلاع عليه وبالتالي فهو ليس هدية لأمثالي فحسب بل هو هدية لكل أعضاء السلك الدبلوماسي والملحقين العسكريين والفنيين بل لكل محبي الاطلاع والمعرفة.