حقيقة الأمر فإن كل الطروحات الإسرائيلية جوهرها تفتيت وحدة الأراضي الفلسطينية بجعلها كانتونات مُتفرّقة تحت الوصاية العربية والدوليّة، فاقدة للحريّة والعزّة والكرامة، وفي المقابل الحرص على الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية تُحقّق لهم ضمّ كل الكتل الاستيطانيّة التّابعة لهم في الضّفة الغربيّة وغيرها، تمهيدًا لتحقيق هدفهم الأكبر إسرائيل الكبرى». أي سلام هذا الذي ينقضُّ على دولة ذات سيادة تتمتّع باستراتيجية خاصّة في موقعها وعمقها التّاريخي والحضاري وخصوصيّتها المتميّزة في وضعها الدّيني وعراقة شعبها، إلى مثل هذا الكيان الشّاذ عالميًا والفاقد للحرّية والعزّة والكرامة. كل ما جاء في مشروع غزّة الكبرى وغيرها من مشاريعهم يصب في هذا الهدف، جوهره إلغاء قيام دولة فلسطينية حقيقية في الضّفة الغربية والقدس، واعتبار التركيز على غزّة مقدّمة للتّسوية، لكنّه في الحقيقة هو التّسوية كلها ولا شئ بعدها. هم يعلمون أنّ سيناء هي العمق الاستراتيجي للدولة المصرية باختراقها يتم الانقضاض على مصر بسهولة.. وما العمليّات الإرهابية المكثّفة في أراضي سيناء حاليًا إلاّ جزء من مُخطّطاتهم لتحقيق هذا الهدف.. يريدون إقناعنا أنّ اعتبار التركيز على غزّة مقدّمة للتّسوية لكنّه في الحقيقة هو التّسوية كلَّها التي ستُحقّق لهم الاستيلاء الكامل على سيناء، ومن ثمّ الانقضاض على مصر التي تُعتبر العمق الاستراتيجي للبلاد العربية بكاملها، فتَتَحقّق لهم دولة «إسرائيل الكُبرى» من النّيل إلى الفرات. أستطيع القول إنّ سيناء مفتاح السلامة والأمان، والحريّة لكافّة البلاد العربية.. ولا ننسى الحدث الجلل الذي يُبين لنا عظمة هذا الموقع حين شهدت سيناء تجلّي الخالق لأحد جبالها (فخرّ موسى صعقًا)، حدثٌ لم ولن يتكرر.. جاء في سورة الأعراف (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ، قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (143). اختيار سيناء كموقع للتّجلي له دلالات خطيرة، علينا أن ندركها ونستوعبها ونعيها تمامًا.. من هذا المنطلق جاء الحديث القائل «خير الجهاد الرباط وخير الرباط، رباط عسقلان» «61 كيلو من غزّة».. فسكان غزةوسيناء بمثابة حُرّاس بوّابة العالم العربي.