من أبسط وأسطع الأمثلة على عدم اكتراث جهاتنا التقاعدية بحال المتقاعدين هو عدم توحيد التقويم الذي تُحسب به سنّهم التقاعدية!. فهناك من الموظّفين من يُقَعَّدُ حسب التقويم الهجري، وهناك منهم من يُقَعَّدُ حسب التقويم الميلادي، وهناك فرق يبلغ 660 يومًا كلّ 60 عاماً بين التقويمين، لأنّ عدد أيام السنة في التقويم الهجري هو 354 يومًا، بينما عدد أيام السنة في التقويم الميلادي هو 365 يومًا، وهكذا يُقَعَّدُ المتقاعد بالهجري في سنّ الثامنة والخمسين (تقريباً) إذا قارنّاه بالميلادي، ويُقَعَّدُ المتقاعد بالميلادي في سنّ الثانية والستّين (تقريباً) إذا قارنّاه بالهجري!. وليست المشكلة محصورة في فارق ال660 يوماً، بل فيما تكتنفه من حياة كاملة خلالها، بكلّ ما فيها من سلبيات وإيجابيات، ممّا يتباين فيها الموظّفون ذوو العمر الواحد، بين تعطّل عن العمل لأناس واستمرارية العمل لأناس آخرين، وبين رواتب تَقِلُّ لأناس ورواتب تستمرّ كما هي لأناس آخرين، وبين حوافز وظيفية تنعدم فجأة لأناس وتستمرّ كما هي لأناس آخرين، وبين كسل وخمول قد أحاطا بشباكهما حول أناس ونشاط وحركة يهنأ بهما أناس آخرون، وبين.. وبين، إلخ إلخ إلخ!. وأنا لا أعلم سبباً واحداً وجيهاً يحول دون توحيد سنّ التقاعد، كما تفعل كلّ دول العالم، وإن كُنّا وحّدْنا موعد صرف الرواتب بالتقويم الميلادي فلماذا لا نُوحّد سنّ التقاعد؟ إمّا بالميلادي لنُتيح مزيداً من فرصة العمل للمتقاعدين، وإمّا بالهجري بعد زيادة السنّ التقاعدية، للثالثة والستّين عاماً، لِمَ لا؟ إنّ هذه السنّ مناسبة للتقاعد، وقد اعتمدتها ألمانيا والعديد من الدول المتطوّرة بعد دراسات طبية عن أفضل الأعمار للتقاعد عن العمل والركون إلى الراحة والاسترخاء والهدوء. وفي توحيد سِنّ التقاعد في العموم فوائد جمّة، فهو مفيد لتنظيم وتجويد التخطيط المستقبلي فيما يخص الموارد البشرية، والموارد المالية، وفوق ذلك تحقيق العدل بين الموظّفين، وترسيخ رسالة لكِبار المواطنين (المتقاعدين) أنّ هناك من يهتمّ بهم، ويعتني بحاضرهم ومستقبلهم، ويُعنى بخبراتهم، ويعمل على الاستفادة منهم، ويقول لهم: لا تموتوا قاعدين، بل احيوا واقفين، عاملين، شامخين، لوطنكم خادمين، ولحياتكم الشخصية مُحَسِّنِين، ولكم باقة من الحُبّ والسلام والياسمين.