كما توقعت هنا في مقال سابق، بات تحرك أي زعيم في القرن الإفريقي صوب الآخر، محل شك وخوف لدى البعض! وكأن القاعدة هي الحرب، كل يلتزم مكانه فليس الأوان أوانه، وليس السلام سلامه! وإذا كانت مكامن القلق من زيارة الزعيم الإثيوبي لنظيره الصومالي أقل حجمًا أو حدة من زيارته لإرتيريا، فإن زيارة الرئيس الصومالي لأسمرا أثارت قلقًا جيبوتيًا تحول إلى غضب عارم، ولكل مبررات غضبه! والذي حدث أن جيبوتي التي اشتهرت بهدوئها وحكمتها، انفعلت كثيرًا على زيارة الرئيس الصومالي إلى إرتيريا «التي تحتل جزءًا من أرضها». ويبدو أن الغضب الجيبوتي الذي كان على قدر المحبة الناتجة من وعن صلة الأرض والرحم، أغضب الشقيق الأكبر، الذي التزم الصمت الجليل، تاركًا حرية التنفيس أو التعبير لمن يريد. هنا لابد من الإشارة السريعة إلى أن إرتيريا من وجهة النظر الجيبوتية بل والصومالية مازالت تحتل جزيرة «دوميرا» وقد سقط على أرضها «شهداء» واعتقل «سجناء»، ومن ثم فما كان للشقيق الصومالي أن يزور أسمرا وأن يشترك مع إثيوبيا في السعى لرفع العقوبات الدولية عن إرتيريا. في المقابل، ومع التقدير للغضب الجيبوتي المشروع، ترى مقديشيو أنها تأخرت كثيرًا عن الركب بحكم ابتعاد أو تخلي الأشقاء والأصدقاء عنها، بل وتشهيرهم بها، ومن ثم جاءت الزيارة كبداية لخطوات أخرى في نفس الاتجاه. صبيحة البيان الجيبوتي الغاضب، كانت «سمية» أكثر الصوماليات دهشة، إذ كيف يستأذن الرئيس قبل الزيارة! وكان الجيبوتي «حسن» أكثرهم ثورة، إذ كيف يزور الشقيق من يحتل أرضنا!.. وفي محاولة لرأب الصدع، قصصت عليهما قصة «مسمار جحا»! والحاصل أن رجلًا باع لآخر بيتًا لا يملكه، ومع ذلك اشترط استثناء «مسمار» من عقد البيع، بحيث يكون له الحق في أن يأتي وقتما يشاء ليطمئن على المسمار.. وقد كان! مسمار في كل مكان.. مسمار في إثيوبيا أو بين إثيوبيا وارتيريا اسمه «بادمي» وآخر في جيبوتي أو بينها وبين ارتيريا اسمه «دوميرا» وثالث بين الصومال وإثيوبيا وخامس بين السودان والسودان وسادس بين مصر والسودان. أنها بقايا إمبراطورية الشر.. مسامير جغرافية وأخرى سياسية، سرعان ما تتحول إلى مطارق أو أنياب دامية، حيث تندفع الشعوب لتقديم المزيد من الشهداء ومن خيرات الأرض.. ومن حاضر الأوطان ومستقبلها! أنها بقايا الشر المستوطن الذي تركوه لنا على الحدود.. الحدود الغامضة أحيانًا والمفتعلة أخرى.. أما الحدود الواضحة وضوح الشمس كحدود دولة فلسطين، فالحل معها أن يأتوا لها بشعب بلا أرض! هكذا وضعوا لنا في كل دولة أو على كل حدود «مسمار» حتى ولو في الأنهار والبحار.. وما أكثر المسامير التى تحول دون تفتح الزهور. ما أكثر المسامير التي تحول دون مرور طريق أو طرق الحرير! يستوي في ذلك جيبوتي الزهور، وصومال البخور، اللذان يتمسكان بعروبتهما وبإسلامهما هذه الأيام.. يتمسكان بالأصول وبالجذور، في الوقت الذي ترتطم فيه العروبة، ويرتطم فيه الإسلام الجميل بآلاف الصخور. تشعب الحديث بيننا، حتى طاف بنا في عموم شرق إفريقيا.. إنه الشرق الإفريقي الجديد الذي يريد أن يلفظ الدول المجزأة، والأمم المنقسمة المفتتة، والحدود المفتعلة، فيما يبرز كل فترة «مسمار» جديد يقول: أنا هنا!! إنه المسمار الذي غير أو يحاول أن يغير أخلاقنا وقيمنا، وأن يبدل أنماط حياتنا وثقافتنا ولغاتنا، وأن يتحكم في نوعية تجارتنا وزراعتنا ومصادر دخلنا، وفي انحراف بوصلتنا وأفكارنا! قال «حسن» إن العلاقة بين الصومالوجيبوتي لا تقل أهمية عن علاقته بارتيريا.. وقالت «سمية» إن العلاقة بين الصومال وإرتيريا لا تقل أهمية عنها مع جيبوتي.. وافقتهما وقلت إن العلاقة بين ثلاثتهم، بل أربعتهم وخمستهم وستتهم في غاية الأهمية بشرط! قالا وما هو فقلت: أن نجمع أجزاءنا وأن نلم شملنا.. أن نوحد فصائلنا وجماعاتنا.. عندها فقط سنقتلع المسمار تلو المسمار.. ونهنأ بما لدينا من جزر ومن موانئ ومن بحار.. وما نملكه من أصداف ومن محار.. من ثروة حيوانية ومعدنية.. من عطور ومن بخور ومن بهار.. عندها فقط سيطلع النهار!