وجّه عدد من المسرحيين سهام النقد لدخول المسرح التجاري والكوميدي في فعاليات مهرجان سوق عكاظ في دورته ال(12)، التي اختتمت الشهر الماضي، مشيرين بأصبع التخصيص إلى مشاركة الفنان الكوميدي طارق العلي بمسرحيته «الشاعر مصقول»، مرتئين أن هذا التوجه الجديد يفقد مسرح عكاظ الرصانة التي عرف بها، وينحرف برسالته السامية والمتمثلة في إحياء التراث العربي القديم، وتجسير المسافة بين الأجيال، عبر تقديم مسرح نخبوي، يستفيد من الإرث التاريخي في معالجة قضايا الحاضر بطريقة وأسلوب إبداعي بعيدًا عن التهريج والإسفاف والتسطيح واستجداء الضحك الذي تميز به المسرح الكوميدي التجاري. تغريدة ساخرة وكان الكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي قد حمل لواء الانتقاد، منذ الإعلان عن مشاركتها، وقبل عرض المسرحية، في تغريدة ساخرة على حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي، فور اطلاعه على الإعلان المروّج لمسرحية «الشاعر مصقول»، كتب فيها ما نصه: «عكاظ التاريخ والثقافة، عكاظ النابغة والخنساء وقس بن ساعدة والمعلقات يبشركم بعرض مسرحي لطارق العلي (زغردي يا انشراح)».. اضطراب المعايير «المدينة» رصدت تفاعل المسرحيين حول دخول المسرح التجاري لفعاليات مسرح عكاظ، حيث يرى الباحث المسرحي ياسر مدخلي أن المسرحيين ينظرون إلى سوق عكاظ كرافد معرفي ومنارة ثقافية يطمح كل فنان وأديب إلى المشاركة فيه بأفضل ما لديه من إنتاج إبداعي.. وتأسيسًا على ذلك انتقد اختيار هذه المسرحية بما تحمله من دلالة المسرح التجاري بقوله: هذا الاختيار يعد مؤشرًا لوجود اضطراب في معايير اختيار من يقدم المسرح في محفل عربي مهم مثل سوق عكاظ. ويستدرك بقوله: لسنا ضد شخص معيَّن أو جهة معيَّنة ولكن يهمنا بشكل رئيس أن نقول متى يتم الاهتمام بمعايير الجودة عند ترشيح المنتج للمسرح وتقديم جودة المحتوى على نمط المقاولات، وإلى متى نرى التساهل في أسلوب المتاجرة بالمسرح والركض خلف الجماهيرية والمشاهير وتجاهل ضرورة صناعة الإبداع المسرحي الذي ينطلق من قيمة السوق. منصة لا تقبل التهريج ويذهب المسرحي فيصل شعيب إلى توصيف مشاركة مسرحية طارق العلي في سوق عكاظ بأنها «كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى»، وعلته في ذلك أن «طارق له منهج كوميدي يغلب عليه التهريج وعكاظ منصة فنية ثقافية لا تقبل التهريج»، مطالبًا بإيقاف عرض مثل هذه المسرحيات في سوق عكاظ، مع إمكانية عرضها في مسرح خارجي بمدينة الطائف ضمن مهرجان الصيف وليس ضمن مهرجان سوق عكاظ. توافق الأفكار فيما يقف المخرج المسرحي رجا العتيبي على الحياد بقوله: هي وجهات نظر، قد يراها البعض فرصة لتسويق فعاليات سوق عكاظ باعتبار الجماهيرية التي يحظى بها الفنان طارق العلي وقد يراها البعض ذات تأثير سلبي على فكرة السوق. وفي تقديري الشخصي وحسب تجربتي في سوق عكاظ، أرى أهمية توافق كل الأفكار المطروحة مع فكرة سوق عكاظ، ولا يمنع من مشاركة أي فنان شريطة أن يخدم فكرة السوق، سواء في المسرح أو في الفعاليات الأخرى، وهذا يدخل في فن صناعة المحتوى الذي يصفه بيل جيتس بالملك، يقول المحتوى ملك، إشارة إلى أهميته. انتهاك للثقافة ويتفق السنوغرافي عبدالعزيز العسيري مع شعيب في إمكانية عرض مثل هذه المسرحيات في أي مكان آخر غير عكاظ، في سياق قوله: ليقدم مسرحيته في فضاء آخر فلا اعتراض عليه؛ لكن في سوق عكاظ فذلك انتهاك للثقافة العربية عمومًا، ولنا كمتلقين يمثل سوق عكاظ قيمة خاصة وجدانيًا وثقافيًا. أتمنى من الجهات المسؤولة عن صيانة وحماية الثقافة التدخل بنقل عرض المسرحية إلى فضاء آخر وخلع عنها انتمائها لسوق عكاظ. استثمار الجماهيرية أما المخرج سلطان النوة فيتخذ موقفًا لا يخلو من حياد بتقرير أنه «لا يقف ضد المسرح الاجتماعي البسيط والمحبب للجمهور والذي يناقش قضايا اجتماعية تلامس الحياة والواقع»، مرتئيًا أن الجماهيرية الكبيرة التي يحظى بها مسرح طارق العلي ربما كانت السبب الذي حدا بإدارة المهرجان إلى استقطاب عرضه المسرحي. فكرة مسرحية «شاعر مصقول» «مسرحية خيالية بقالب كوميدي تتبلور فكرتها في قدوم الشاعر «مصقول»، مع ابنه «صقلان» إلى سوق عكاظ؛ حيث يكتشف مصقول بأن أمين المكتبة «النحوي» ليس أهلاً لبيع الكتب، وأن هناك من هو أجدر منه لهذه المهمة، فيبدأ بطريقة كوميدية فضح «النحوي»، مقترحًا استبداله بالمثقف «شاكر» للاستفادة منه، وذلك خلال مناظرة شعرية كوميدية تنتهي بفوز مصقول وابنه. ثم يقترح على تجار السوق محاربة الفساد التجاري المتمثل في شهبندر التجار «تيمور»، ووضع أحد التجار الذين يخافون الله ويراعون مصالحهم. وهنا يختارون أكبر وأنظف تاجر عندهم وهو «رضوان»، ليرعى مصالحهم التجارية. وأخيرا يوضح «مصقول» أن سبب حضوره هو أنه كان في مهمة رسمية من قبل الوالي لوضع الأمور في مسارها الصحيح، ثم يشكرهم على حسن استقبالهم وتجاوبهم معه، وهم بالمقابل يشكرونه على ما قدمه لهم من نصائح جيدة ومفيدة.