بعيدًا عن الأنظار والعيون، هنا تجري واحدة من أضخم عمليات التأهيل النوعى، لتحويل ضحايا الفكر المتطرف والضال إلى مواطنين أسوياء انطلاقًا من الوعى بأهمية كل مواطن في خدمة بلاده وأسرته الصغيرة ومجتمعه، جهد متشعب وجبار تبذله رئاسة سجون أمن الدولة، أدى إلى نجاحها بالفعل في إنقاذ الكثيرين من براثن التطرف إلى أن يصبحوا مواهب فنية وثقافية وعلمية، في هذه الجولة التي جاءت بناء على دعوة كريمة من رئاسة سجون أمن الدولة، يمكن القول بمزيد من الاطمئنان: إن هؤلاء النزلاء في أيدٍ أمينة، بفضل البرامج الابتكارية والإبداعية والتكاملية التى أعدت لهم حتى نقلهم إلى الجناح المثالي للمعتدلين فكريًا بعد اختبارات دقيقة وخاصة للتأكد من سلامتهم وتجاوزهم المرحلة الخطيرة من العلاج، وإذا كان من اللافت الاهتمام النوعى بعنابر السجناء التى تحولت إلى ما يشبه المنتجع السياحى في ظل ما يتوفر بها من خدمات فندقية، فإن الأهم هو التركيز على إعادة بناء الإنسان بالعلم والإدارة، حيث تم إسناد مهام كثير من الموظفين بالسجن إلى السجناء الذين يرغبون أن يكون لهم دور أكبر خاصة في إدارة المكتبة وتوزيع الوجبات وغيرها، فإلى تفاصيل الجولة التي تمت في أريحية تامة وترحيب من جانب إدارة السجن والنزلاء أنفسهم. الزائر و النزيل والضابط بروح الأسرة الواحدة كانت البداية فور وصولنا إلى سجن «شعار» في أبها حيث تم استقبالنا بحفاوة من قبل القائمين على السجن، وانتقلنا مباشرة إلى قاعة جمعت الوفد الإعلامي والنزلاء والمسؤولين عن السجن وسط أجواء مفعمة بالشفافية، وكان لافتًا للانتباه ما رأيناه من تقارب ومودة بين النزلاء والقائمين على السجن في علاقة أشبه بالأسرية، و اجتمعنا جميعًا على مائدة واحدة وسط جو سادته الألفة و المودة، وشارك في استقبالنا النزلاء بمعنويات عالية بجانب ضباط و منسوبي سجون أمن الدولة. احتفالية بمذاق عالمي وفيما كنا نتابع المباراة النهائية لكأس العالم سوية مع النزلاء، كان النزيل يبتسم مع كل هدف وهجمة لفريقه المفضل، مع تبادل الأحاديث الجماعية وسط أجواء سادتها الروح الكروية العالية. العنابر منتجع سياحي و خدمات فندقية شهدت الزيارة جولة في السجن لنرى ما يحدث خلف تلك الجدران التي أدهشتنا منذ وصولنا، عندما رأينا مدينة متكاملة الخدمات أشبه بمنتجع سياحي يأخذ فيها النزيل حقه من التعليم والترفيه و الاستجمام و البرامج و الفعاليات المختلفة والأجواء المهيئة و الأروقة الفاخرة التي شيدت للنزلاء، في سبيل أن يستمتع النزيل بوقته دون أن يشعر بالانغلاق على نفسه وذلك بطريقة تربوية اجتماعية وعلمية احترافية تلبي جميع احتياجات النزيل الشخصية حتى يمكن الاستفادة منه فيما بعد في خدمة وطنه. النزلاء.. معنويات عالية وتقدير للإدارة تحدثنا إلى النزلاء الذين كانوا في استقبالنا مع القائمين على السجون وفوجئنا بمعنويات عالية و ابتسامات زينت وجوههم بحروف زخرفتها كلمات الشكر للقائمين على السجن، مؤكدين أنهم وعلى الرغم من أخطائهم التي وقعوا فيها إلا أنهم وجدوا أخوة لهم أخذوا بأيديهم إلى طرق الصواب وساعدوهم على تجاوز الصعاب وكانوا عونًا لهم في كل أمر يحتاجونه، ومن خلال النقاش مع النزلاء بينوا لنا أنهم في أحسن حال يستمتعون بكل مباهج الحياة، واستطاعوا بدعم من رئاسة أمن الدولة وعلى نفقتها، أن يكملوا تعليمهم الجامعي فما فوق، كما يستمتعون بأوقاتهم من خلال برامج و فعاليات ترفيهية فضلاً عن أحدث الألعاب الإلكترونية والمسابقات الفنية والثقافية و الشعرية، وكان متوسط أعمار النزلاء من 25 إلى 40 عامًا وأغلبهم متعلمون و قد اغتالتهم أفكار دعاة الفكر الضال و التطرف بهدف هدم الأمة، وكان رجال أمن الدولة بالمرصاد لدعاة ذاك الفكر، وتم معالجة العديد من الحالات، وبدأت مدارك أولئك السجناء تتوسع آفاقها ويوقنون حقيقة ما كان دعاة الجريمة يبتغونه، حتى أصبح بعضهم من أبرز المواهب في الفنون و الثقافة وبعضهم أصبح يحمل درجات علمية في التعليم وعادوا إلى طريق الصواب وهو ما ينتظره منهم وطنهم وطن ليحملوه في عيونهم و يكون أولئك الشباب الطموح و هذا ما كان واضحًا عليهم. مستشفى مزود بأحدث التجهيزات وفيما كنَّا نتجول فوجئنا بمستشفى ضخم مجهز بأحدث الوسائل الطبية و الطواقم البشرية على أعلى المستويات، يتم استقطابهم عبر لجنة خاصة من رئاسة أمن الدولة، ويشمل المستشفى عيادات الأسنان والطوارئ والأنف والأذن والحنجرة والطب النفسي والمسالك والعظام والأشعة والعلاج الطبيعي والباطنية إضافة إلى المختبر وصيدلية المستشفى التي تتوفر بها جميع احتياجات النزلاء من الأدوية. إصلاحات شاملة لتبديد الطاقة السلبية كان لرئاسة أمن الدوله ممثلة في معالي رئيسها عبدالعزيز بن محمد الهويريني ومدير الإدارة العامة لسجون المباحث اللواء محمد بن سلمان السراح لمسات واضحة من خلال ما وضعوه من الإستراتيجيات الإصلاحية الشاملة والتي قام عليها نخبة من المختصين الشرعيين والنفسيين والاجتماعيين والأمنيين لكي تستمر في تطور مستمر ومبتكر دائمًا، وتعتمد الإصلاحات على توفير بيئة معيشيه مستدامه للنزيل يخضع فيها إلى العديد من الأنشطة التي تبدد طاقته السلبية وتخرجه من العزلة إلى عالم متجدد يوميًا من الأفكار والنشاطات الإيجابية الداعمة للمحاضرات وجلسات المناصحه والدورات العلمية والدراسة الجامعية، وتم توفير طرق ذكية لإدارة وقت السجين ذاتيًا ونقل العديد من الأنشطة من مسؤولية موظفي السجن إلى النزلاء الراغبين في إشغال وقتهم بالقيام ببعض المهام، ومنها على سبيل المثال لا الحصر توزيع الوجبات ونظافة الغرف وخدمة الغسيل بل إن بعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك وطلب أن يكون أمينًا للمكتبة ومسؤولاً عن برنامج استعارة الكتب أو إعداد جداول الخدمات من خلال ترتيب برامج اتصال السجناء الهاتفي وزياراتهم ضمن الحدود والتعليمات التي تعمل بها السجون. وهدفت الإستراتيجيه لتوفير تجهيزات جديده مثل معمل للصوتيات لإعداد الأناشيد والشيلات والأدعية والأذكار والآذان ليتم بثها لكامل السجن، كما أنشأت مشاتل يقوم النزلاء فيها بزراعه نباتات الزينة التي تزين السجن وبعض المنتجات الغذائية، وكانت وجهة نظر القائمين على السجون أن ارتباط النزيل بالأرض من خلال الزراعة يساعده على المتعة والصبر والعناية والتأمل ويبدد طاقته السلبية ويشعره بدور إنتاجي مفيد وهو ما تحقق فعلاً وكان له أبلغ الأثر في تحسنهم نفسيًا وسلوكيًا وفكريًا وتهدف الإستراتيجية إلى الاستمرار في تطوير البرامج المفيدة، ومن المنتظر فتح ورش ومعامل مختلفة لشغل وقت النزيل بكل ما هو مفيد. الجناح المثالي للمعتدلين فكريًا هيأت إدارة السجن جناحًا خاصًا تحت مسمى (الجناح المثالي) للنزلاء الذين اعتدل فكرهم وأصبح منضبطًا، ولا يمكن للنزيل الوصول إلى ذلك الجناح إلا بعد اجتيازه لعدة اختبارات ودورات وبرامج، وتم تقسيم الجناح المثالي إلى عدة أقسام منها للجيم والقسم الفني والأشغال اليدوية وقسم خاص بالإعلام يصدر مجلة شهرية متنوعة إضافة إلى ديوانية مجهزة بأحدث التجهيزات ومشمس للنزلاء بدون سقف. زيارة المكتبة واستعارة الكتب ابتكرت إدارة السجن برنامج إلكتروني تحت اسم زيارة واستعارة، يعمل بنظام الباركود ليتيح لكل نزيل زيارة المكتبة بمعدل مرة واحدة في الشهر لقضاء وقته في القراءة الذكية والورقية فيما يوجد داخل المكتبة عدد من الأجهزة الذكية شبيهة بأجهزة الآيباد التي تعمل بالحبر الإلكتروني وتحمل الكتب الورقية فيها عبر ملف PDF يتسع لأكثر من 700 كتاب في آن واحد بهدف توسيع مدارك النزلاء ويتم التحميل من خلال مكتبة إلكترونية داخل المكتبة الأساسية تضم أكثر من 17000 ألف كتاب متنوع. وتحتوي الأجهزة على الصحف اليومية والإلكترونية بشتى أنواعها والكتب والمراجع الدراسية وقد لفتت انتباهنا بهذه الخطوة الجريئة التي لم نشاهدها من قبل في أي مكان لا سيما وأن هذه الأجهزة تعمل بدون إنترنت ويستمر الشحن فيها لأكثر من شهر ومن ثم يستطيع النزيل بعد انتهاء وقته في المكتبة استعاره ثلاثة كتب ورقية منوعة ليكمل قراءتها في غرفته حتى زيارته المجدولة الأخرى ثم يستبدلها بغيرها. أبرز الخدمات المقدمة للنزلاء: للنزيل حساب بنكي وبرنامج محاسبي لكل تعاملاته. الدولة تدعم السجين بمبلغ مادي شهريًا. مستشفى السجن يشمل مختلف التخصصات والمختبر. شركة متخصصة للتغذية ويشمل مطعم السجن ركنًا للحلوى. 300 نزيل يدرسون في 4 جامعات هي: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة نجران وجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وجامعة الملك خالد. يوجد بالسجن صالة رياضية بها ملعب سداسي لألعاب كرة القدم والطائرة واليد. بناء مشتل يعمل فيه النزلاء المهتمون بالزراعة. يحق لكل نزيل زيارة وخلوة شرعية شهرية إضافة إلى مكالمة أسبوعية لمدة 15 دقيقة. تذاكر سفر مجانية دولية وداخلية لمن أهاليهم من خارج المملكة أو المنطقة. زيارة المكتبة بمعدل مرة واحدة في الشهر لقضاء وقت للقراءة الذكية والورقية. فتح مكاتب داخل السجن لفرع هيئة حقوق الإنسان ومكتب لمندوبي المحكمة وكتابة العدل ومكتب للنيابة العامة ومكتب للجوازات، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.