كشف مختصون ومتعاملون في قطاع المقاولات عن تعثر نحو 50% من شركات المقاولات في سداد رواتب العمالة، نتيجة الركود بالمشروعات التي بدأت في عام 2016، فضلًا عن تعثر سداد بعض المستحقات المالية لشركات المقاولات العاملة بالمشروعات الحكومية، فيما لم يتسن ل»المدينة» الحصول على رد من المتحدث الرسمي لوزارة العمل رغم محاولاتها الاتصال به أكثر من مرة. ويعمل في قطاع المقاولات نحو 3.5 مليون وافد من أصل نحو 10 ملايين وافد بالمملكة، وفي 2016 تقدم نحو 31 ألف عامل بإحدى الشركات الكبرى بشكوى إلى وزارة العمل لتأخر مستحقاتهم المالية لعدة أشهر. تأخر الرواتب يمتد إلى 11 شهراً وقال ثلاثة عاملين بالقطاع ل»المدينة»: إن الثغرات القانونية منعتهم من الحصول على رواتبهم ومستحقاتهم المالية من إحدى شركات المقاولات الكبرى، لمدة تتراوح ما بين 9-11 شهرًا، رغم صدور أحكام تلزم الطرف الآخر بسداد المستحقات. وأكد «أ.ع» عامل كهرباء، أنه التحق مع زملائة «أ.أ» عامل معماري، و»أ.ح» عامل دهان بإحدى شركات المقاولات الكبرى خلال السبع سنوات الماضية، وبرواتب تتراوح ما بين 1600- 2000 ريال شهريًا مع تحمل الشركة كلفة السكن والمعيشة، مشيرًا إلى أن الشركة ظلت ملتزمة حتى مطلع 2016، إلى أن توقفت رواتبهم في منتصف نفس العام، مع بقية العمال في المشروع الذي يبعد نحو 35 كم عن جدة. وأضاف أنه تقدم مع نحو 150 عاملًا بشكوى إلى اللجان العمالية في وزارة العمل، وتمكن عدد كبير منهم من الحصول على أحكام برواتب متأخرة لمدد تتراوح ما بين 9- 13 شهرًا، إضافة إلى صرف بدل مقابل الساعات الإضافية ومكافأة نهاية الخدمة، مشيرًا إلى أن هذه الأحكام لم تنفذ حتى الآن بسبب مماطلة وتحايل الشركة، واستغلال محاميها ثغرات موجودة في نظام العمل. الثغرات تطيل أمد التقاضي وقال محمود الرفاعي المحامي المتخصص في القضايا العمالية: إن هناك مراحل لتقديم الشكوى في نظام العمل، تبدأ بمحاولة التسوية الودية، على ألا تتجاوز أسبوعًا، وفي حال عدم الاتفاق يتم تحويلها إلى الهيئة الابتدائية التي تفصل بالدعاوى مباشرة ومن ثم إصدار أحكام نهائية أو ابتدائية على حسب اختلاف نوع الدعوى المرفوعة للهيئة التي يصدر فيه الحكم. ويذكر في الحكم إمكانية استئنافه في حال قابليته للاستئناف أمام الهيئة العليا خلال المهلة النظامية والمحددة بعشرة أيام. وأضاف أنه بعدها يأتي دور الهيئة العليا وهي الجهة ذات الاختصاص القضائي والمختصة بنقض أو تأييد القرارات الصادرة من الهيئة الابتدائية كدرجة ثانية من درجات التقاضي وبعد إصدار الحكم يتم تنفيذه من خلال محكمة التنفيذ وفق آلية وزارة العدل بحكم أن محكمة التنفيذ تابعة لها وليست لوزارة العمل. وأشار إلى أن الإجراءات تستغرق ما بين 6 أشهر إلى سنة حتى صدور الحكم النهائي وذلك بحسب طول المدة بين الجلسات وكثرة القضايا التي تقدم للجان وأحيانًا قد تتجاوز السنة. وأوضح أنه برغم تشديد نظام العمل على حماية حقوق العمال إلا أن هناك بعض الثغراث أسهمت في طول فترات تداول القضايا أو تنفيذها مثل طلب الالتماس أو إعادة النظر في القضية والذي يمكن بمقتضاها إرجاع الحكم من محكمة التنفيذ في وزارة العدل إلى الهئية العليا في وزارة العمل لكي يتم إعادة النظر فيها وتكون في حالات معينة. وأكد أن إنشاء محاكم عمالية خلال الفترة القادمة لتحل محل اللجان العمالية التابعة لوزارة العمل سيطور المنظومة العدلية وسيخفف الضغط الحالي بسبب كثرة القضايا إلى جانب أنه سيوفر محاكم وقضاة متخصصين أكثر من أعضاء لجان التسوية الحالية. العقيلى: البحث عن مصادر تمويل بديلة وأكد المستثمر العقاري، المهندس رائد العقيلي، أن السبب الرئيس لأزمة تأخر أجور العمالة إيقاف التدفقات النقدية الحكومية التي تمثل ما بين 80-90% من إجمالي مشروعات المقاولات بالمملكة، إضافة إلى صعوبة إيجاد فرص تمويل بديلة، خاصة أن معظم البنوك تصنف قطاع المقاولات بأنه مرتفع المخاطر، مما ينعكس على عدم قدة الشركات بالوفاء بسداد المستحقات وتسليم المشروعات في مواعيدها. وأضاف أن قطاع المقاولات يتأثر بتذبذب أسعار البترول، مشيرًا إلى أن ضخ المشروعات الحكومية بتكاليف تمويلية في سنوات ارتفاع البترول دفع الشركات للتسابق في الحصول على حصة من كعكة المشروعات، وتشغيل عمالة كثيفة لإنجاز أكثر من مشروع مما أثر عليها سلبًا في فترة الركود. وتابع: «رغم أن 90% من العاملين بشركات المقاولات لا يزيد متوسط أجورهم عن 3 آلاف ريال والتي تعد أجورًا زهيدة، إلا أن المقاول ليس ممولًا ولا يمكن أن يتحمل التكاليف التشغيلية للمشروع، خاصة أن تكلفتها تتجاوز مئات الملايين. ووضع العقيلى 3 حلول لتصحيح أوضاع القطاع تتمثل في وجود لجنة بهيئة المقاولين تختص في فض المنازعات ومعاقبة وشطب كل من يسيء لهذا النشاط إضافة إلى كشف المعوقات وحلّها، وإنشاء صندوق تمويل مدعوم من الدولة أو القطاع الخاص، والإسراع في عقد الإشغال الموحد، الذي يميز المستثمر المحلي عن الأجنبي ويضمن وجود آلية تسهم في استمرار التدفقات النقدية، ويحتسب الفوائد المالية عند التأخر في السداد. 50 % من الشركات تعاني التعثر قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله المغلوث الاقتصادي والمتخصص في قطاع المقاولات إن 50% على الأقل من شركات المقاولات في المملكة تعاني من تعثر في سداد مستحقات العمالة، التي تقدر بمئات الآلاف. وأشار إلى أن سوق الإنشاءات والمقاولات كان أكثر القطاعات المتضررة من تراجع أسعار النفط في 2016، وما تلاه من تخفيض في الإنفاق الحكومي وإجراءات الإصلاح، مما تسبب في ركود وتعثر شركات عملاقة، لافتًا إلى أن القطاع يضم نحو 140 ألف مقاول وشركة منها 90 ألف شركة صغيرة. وأوضح أن استثمارات القطاع تقدر بنحو 300 مليار ريال في الفترة من 2010 حتى 2015، بينما بلغ متوسط قيمة المشروعات الحكومية المعتمدة ما بين 2004-2010 نحو 1100 مليار ريال. وأوضح أن معظم الشركات تعتمد على المشروعات الحكومية، فيما يوزع بعضها العقود بالباطن على الشركات الصغيرة، التي تتعثر وتخرج من السوق حال إلغاء تلك المشروعات. التوسع في المشروعات يحل الأزمة أكد المهندس أسامة العفالق رئيس هيئة المقاولين أن نحو 50% من شركات المقاولات تعاني من تعثر في سداد التزاماتها المالية، مشيرًا إلى أن ظاهرة تأخر الأجور لفترات طويلة عامة بين الشركات في القطاع. ودعا إلى إيجاد حلول لحل أزمة تأخر الرواتب من خلال ضخ أموال في شركات المقاولات الكبرى التي بدورها ستتوسع في إنشاء مشروعات جديدة وبالتالي نقل العمالة التي تأخرت أجورها في شركات أخرى مع حفظ حقوقهم المالية ومحاولة تسديدها في أقصى سرعة. وأوضح أن هناك نحو 120 ألف شركة بالقطاع يعمل بها نحو 4 ملايين عامل تبلغ نسبة السعوديين منهم نحو 12%، مشيرًا إلى ضرورة أن تضمن الأنظمة حقوق الوافدين على حد سواء مع السعوديين. وأشار إلى أن الركود الذي يعاني منه القطاع يجعل من الصعب التزامه بحقوق العمالة، على الرغم من سداد الحكومة لبعض المستحقات المالية لتلك الشركات. ولفت إلى أن عدم وجود إلزام بالمستحقات المالية لجميع الأطراف، يؤثر على التدفقات النقدية للشركات، وبالتالي الوفاء بمستحقات العمالة، فضلًا عن ارتفاع نسبة المخاطر المالية مما يجعل البنوك تحجم عن إقراض الشركات ذات المشكلات المالية وتضع شروط وملاءة مالية كبيرة تضمن مستحقاتها. صياغة العقود الحكومية الجديدة تدعم صرف المستحقات وتوقع العفالق أن تسهم صياغة العقود الحكومية الجديدة والذي يفترض صدورها في 2018 في حل مسألة سداد المستحقات المالية للشركات وهو ما سوف ينعكس على التزاماتها تجاه العمال لأنها ستكون مقاربة لعقود (فيديك). وطالب بإيجاد طرق بديلة في حال تأخر المستحقات الحكومية عن المشروعات لتمويل الشركات لتتمكن من الاستمرار على سبيل المثال ومنها جعل الفاتورة المالية للمشروع الواجب سدادها في تاريخ ثابت أدائه من أدوات الدين بحيث يستطيع المقاول الاستفادة منها عن طريق بيعها لإحدى المؤسسات المالية كما يحصل في الدول الأخرى. وزارة العمل تلتزم الصمت وحاولت «المدينة» الحصول على تأكيد أو نفي من قبل المتحدث الإعلامي لوزارة العمل والتنمية خالد أبا الخيل على أن 50% من شركات المقاولات متعثرة في سداد مستحقات وأجور العمالة المالية وعن جهود وخطط الوزارة للحد من ظاهرة تأخر رواتب العمال في قطاع المقاولات لكن لم يتسنَ لنا الحصول على رد حتى مثول الجريدة للطبع.