في مثل هذه الأوقات من كل عام، يضطرب نوم كثير من الناس، حتى إن بعضهم ينام بشكل مُعاكس تماماً للفطرة السليمة، فيستيقظُون طوال الليل وينامون خلال ساعات النهار، وقد تناولْتُ في بعض كتاباتي ولقاءاتي الإعلامية مُضاعفات انعكاس نمط النوم، وما يتضمنه من الحرمان الحاد والمزمن من النوم الجيّد. ويظهرُ بوضوح مدى تأثّر النظام الفطري للنوم والاستيقاظ بالضغط الاجتماعي والنمط السلوكي الذي يتبعُه معظم أفراد المجتمع خلال مواسم ومناسبات دوريّة، ومنها شهر رمضان والإجازة الصيفية، فمن الملاحظ إمكانية التأقلم بشكل جزئي على اختلال ساعات النوم والاستيقاظ، كما يحدث لبعض الناس المرتبطين بالمناوبات الليلية والسفر لساعات طويلة عبر مناطق الزمن المتعددة، في محاولة للتخفيف من الآثار السلبية لهذا الخلل على وظائف الجسد. وكما تختلف القدرة على تحمّل اضطراب الساعة الحيوية من شخصٍ لآخر، يظهر بجلاء معاناة كثيرٍ من الناس مضاعفات النوم المعكوس، ومواجهتهم صعوبات إعادة ضبط نمط نومهم إلى الأوقات الاعتيادية التي تضطرهم للعمل والدراسة نهاراً، ومُحاولة النوم خلال ساعات الليل. من الضروري التأكيد على أنه لا يوجد علاجٌ سحري لاضطرابات الساعة الحيوية بشكلٍ عام، فالمسألة في أصلها سلوكياتٌ اجتماعيةٌ وتصرّفاتٌ شخصية فردية تستدعي الضبط والتعديل، كتكريس فكرة أن النوم من الأوّليات الوظيفية السلوكية المهمة، ومقاومة إغراءات الأنشطة الاجتماعية في أوقات متأخرة من الليل، وتغيير ثقافة ارتباط الترفيه الاجتماعي بالتدخين والإفراط في السّهر وتناول الكافيين، وتجنّب إثارة الذّهن قبل النوم بساعتين على الأقل بتحجيم التعلّق بوسائل التواصل الاجتماعي، وتقليل الضوضاء وشدة الأضواء، وعدم الإفراط في تناول الطعام مساءً، ومحاولة ضبط مواعيد النوم بالتدرّج، كتقديمها بمقدار نصف ساعة يومياً حتى تستقرّ خلال ساعات الليل عِوضاً عن النهار، واللجوء للتعرّض لضوء الشمس أثناء ساعات الصباح لحض الجسم على التنبّه والشعور بالنشاط، إضافة إلى تجنّب القيلولة الطويلة أثناء النهار حتى لا تتسبب في تأخير مرحلة النوم ليلا، فضلاً عن مزاولة تمارين الاسترخاء قبل النوم، وتناول الأطعمة المُحفّزة على الاسترخاء والنوم كالموز والحليب والكرز والشوفان والمكسرات والأجبان، كما يمكن استفادة بعض الناس من تناول حبوب «ميلاتونين» لأيامٍ قليلة خلال ساعات الليل، للتحفيز على النوم والمساعدة على ضبط الساعة الحيوية للجسم.