من المعلوم أهمية النوم السليم للإنسان، وانتظام حياته باتباع الفطرة السليمة التي فطر اللهُ الناسَ عليها، بالنوم ليلًا والاستيقاظ نهارًا، فقد قال تعالى: (وجَعَلْنَا الّليل لِبَاسًا.. وَجَعَلْنَا النّهارَ مَعَاشًا)، فمحاولات الإنسان لتغيير فطرته، تبوء دومًا بالفشل، وتتسببُ في النهاية باضطراباتٍ صحيةٍ ونفسيةٍ معلومةٍ طبيًا، فضلًا عن مشكلاتٍ سلوكيةٍ تصيبهُ نتيجة السّهر المُفرط واختلال أوقات النوم والاستيقاظ وانعكاسها، وخروج نسَق ساعته الحيوية عن الدورة الكونية للشمس والقمر. ومن المُلاحظ اتصافُ المجتمع السعودي المدني بمجتمع "الأربعِ والعشرين ساعة"، حيث يعمدُ كثيرون إلى تجاهلِ حاجتهم الفطرية الطبيعية للنوم خلال ساعات الليل، ويعكِسون نمط نومهم تمامًا، وبخاصة خلال مواسم الإجازات والتحرّر من ارتباط الدراسة أو العمل، في مخالفةٍ صريحة للفطرة السليمة، ومُحاولاتٍ غير مُجديةٍ لتعويض ما ينقصهم من نومٍ جيد خلال ساعات النهار، مما يعني معاناتهم بشكلٍ تلقائي من أعراض الحرمان من النوم السليم، كفرط النعاس والإرهاق أثناء النهار، وتعكّر المزاج، وتأثر نظام المناعة سلبًا، واختلال عمل هرمونات الجسم ووظائفه الحيوية بشكل يعرّضهم لخطر الإصابة بأمراضٍ عضوية مُزمنة. من الضروري تبيان الفرق بين الحرمان الطّوعي من النوم، والأرق المزمن، فالثاني عدمُ القدرة على النوم، وأما الأوّل -وهو محور المقال- يوصف بعدم رغبة الفرد في الخلود للنوم واتباعه سلوكيات من شأنها تأخير وقت النوم أو اختلاله، نتيجة ارتباطه بمهام العمل أو الدراسة، أو أمورٍ اجتماعيةٍ أو ترفيهيةٍ أخرى كالمشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي، التي شكّلت لدى بعض الناس هوسًا وهاجسًا يُفضّلونه على التمتّع بساعات نوم هانئة. من المهم نشرُ التوعية الفرديةِ والمجتمعية المؤسساتية والإعلاميةِ بالنوم السليم ليلًا وضرورته الصحية والمزاجية، ومحاولةُ تغيير العاداتِ السلوكية الاجتماعية، التي تضرُّ بجمهور الأفراد وتُشجّع على السّهر المُفرط، كما من الضروري جعلُ النوم أوّليّة في الجدول اليومي كحالِ الطعام والشراب، وضبطُ الساعة الحيوية للتحفيز على النوم بالليل عن طريق التخلّص من الارتباطات الاجتماعية قدْر الإمكان، وتناول الخفيف من الطعام خلال الليل، والتقليل أو الامتناع عن الكافيين والنيكوتين، وخفض الأضواء ومنع الضوضاء بالليل، والتخفيف من استخدام الهاتف النقال والإنترنت، كما يمكن استعمالُ دواء "ميلاتونين" عند المساء لعدة أيام لمحاولة ضبط الساعة الحيوية للجسم.