نولد بعد انتظار وترقب، لا نختار يوم ولادتنا، ولا تلك الساعة التي نصرخ فيها للعالم لنقول: لقد أتيت، جئت للدنيا، لأعيش بينكم، لأكبر في أحضانكم، لأنهل من ينابيع الخير، وماذا بعد ذلك؟! تمر السنين تلو السنين، ويأتي يوم لأجتذب شهادة ميلادي، وأحدق على تاريخ كتب فيها، وهو يوم قدومي للحياة، ثم ألتقط أرقاماً تلو أرقام، لأجد أني الآن في عمر الثلاثين أو الأربعين، أو قد تجاوزتها وربما بقي القليل، تجول بي الأفكار، وتأتي الهواجس، ويحكي الضمير، ماذا قدمت؟! وماذا أعددت! أبلغت ذلك العمر وأنا أحلم منذ زمن بإكمال دراستي، أو بفتح شركة تحمل اسمي، أو بعمل تطوعي يبقى ذخراً لقبري، لم يعد لدي متسع، فقد فات الأوان، ومن في عمري أعطوا وبذلوا، ومضوا في سير المتقدمين، قف في تلك اللحظة، أوقف الملامات، انفض غبار التأنيب، وانهض سريعاً، وابدأ فما زلت على قيد الحياة، لا تتأخر فما زلت تتنفس، حقق حلمك، ابذل ما بوسعك، أعط ما لديك من فكرة، من عبرة، من فرح، لا تنظر لذلك الرقم المدون، وكم سجل لك من السنين ليكون عمرك، هو مجرد رقم لا تلتفت إليه! بل ابدأ عمراً جديداً من حين النهوض، لا تستسلم وتقول بلغت الخمسين، وقد سبقني الأقران، بل سارع وزاحم سير المتقدمين، والحق بركب الناهضين، ولا تؤخر العمل، فما دمت استيقظت من فراشك وعادت لك الروح، فهاك عمر جديد سجل لك، لديك الفرصة وأتتك المنحة من رب العباد، فاغتنمها. لا تحسب الأيام بأرقامها، ولا تهنىء أولادك بعمر كتبه الله لهم، بل اعمل وابذل واقبل التهاني بعمل وجهد أنت بذلت فيه بعد أن كان الله عونك وسددك.. لنحيي في أبنائنا وجيلنا الصاعد الفرح بالإنجاز.. كافيء ابنك على سورة حفظها، احتفل به لقيمة أخلاقية اكتسبها، قدم لنفسك الهدايا لنفع نشرته في محيطك. لنُعِيد للأمة مجدها: كافئوا الأعمال ولا تكافئوا الأعمار، فالعمر رقم سجل بدون اختيارك، والعمل أرقام تسجلها بإنجازك.