وقع سمو ولي العهد محمد بن سلمان يوم أمس الأول، خلال زيارته لمدينة نيويورك، مذكرة تفاهم مع شركة سوفت بانك العالمية لإنشاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم، مشروع جبار ضمن منظومة من الاتفاقات والعقود التي تروم إلى تنويع مصادر الطاقة والاقتصاد المحلي في عصر ما بعد النفط. تسير الرحلة الميمونة لسمو الأمير على درب الاطلاع والتخيّر، يستعرض خلالها كل ما يتوافر في العالم المتقدم من قدرات علمية تنموية، ثم يقتنص أفضلها ليجلبه إلى أرض الوطن، ويحوله إلى منجزات وبرامج عمل تحقق مضمون الرؤية الطموحة. في زيارته للمراكز والجامعات والمعاهد، يتم الاطلاع على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجالات مختلفة، وبعد زيارة مركز آي بي إم واتسون للصحة، ومختبر البايو ميكاترونكس، جرى التوقيع على أربع اتفاقيات شراكة مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، تحدد كل منها أوجه التعاون بين مراكز البحث والتقنية في الجامعات السعودية وبين جامعة هارفرد، من أجل تطوير هندسة النظم وأساليب التعليم في المملكة لمواكبة تحديات العصر. تهدف رحلة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة، إلى تعزيز العلاقات بين البلدين، وهذا يعني على الصعيد السياسي فتح الملفات الأمنية والإستراتيجية الملتهبة في المنطقة، فمن ناحية هنالك أزمة الخليج وحرب اليمن، ومن ناحية هنالك مشاكل الإرهاب والخطط الإيرانية الخبيثة، ثم الحرب في سوريا والمخاطر المحدقة بليبيا. لا يمكن للمباحثات التي ترسم سياسة التحالف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولا صفقات التسليح المبرمة لتأمين أراضي المملكة أن تكتمل دون أخذ استقرار المنطقة ككل في الاعتبار. كل هذه القضايا المتشابكة يتم التباحث فيها في قلب العاصمة السياسية، واشنطن (دي سي)، ذات الثقل السياسي العالمي، ومنها يتحرك سمو الأمير إلى نيويورك، عاصمة المال والأعمال الأهم والمتحكمة في اقتصاديات العالم، وهناك تجري الاتفاقات الاقتصادية والعقود الاستثمارية الضخمة. رحلة الأمير متعددة الأهداف، ولها اتجاهات سياسية، واقتصادية، وترفيهية، وتكنولوجية متنوعة، فمن نيويورك إلى بوسطن، ثم إلى كاليفورنيا حيث (وادي السيلكون)، العاصمة التقنية والتكنولوجية الأكبر، ثم إلى هيوستن تكساس، عاصمة النفط الأمريكي. لا تقتصر هذه الزيارة النوعية لأمريكا على المحادثات الرسمية مع المسؤولين الأمريكيين، بل إن الأمير محمد بن سلمان حريص على التواصل مع معظم القوى الفاعلة في أمريكا، وإلى جانب الجامعات، ومراكز الأبحاث، ورجال الأعمال، فإن للشركات الضخمة نصيباً من هذه الزيارة في نطاقها الواسع، فهناك اتفاقيات مع ريثيون، وبيونج، وجوجل، وفيسبوك وغيرها يجذبها الاستثمار في المملكة، وحضورها سيقدم المزيد من الخبرات التقنية المتطورة التي ستساهم في تطوير برامج التنمية الداخلية في السعودية . يحمل الأمير مشروعه الطموح إلى العالم، فيبهرهم بجديته وتوازنه وتشعب تفاصيله على كل المستويات، فبرنامج التحول الاقتصادي يراهن على تحديث الدولة، وإعادة هيكلة مواردها مما سيحقق أكبر نهضة نوعية في اقتصاد المملكة.. في أمريكا يجري التأسيس لعهد جديد من العلاقات، وبعد الاجتماع التاريخي بين ترامب والأمير محمد، يتضح لنا أن العلاقات الأمريكية-السعودية في أزهى فتراتها، فهي كما يصفها ترامب: «أفضل من أي وقت مضى»، لكن هذه الزيارة التي عززت تحالفاً ثابتاً بين البلدين لا تقف عند حدود إعادة الثقة، وتضييق هوة الخلافات، وإزالة التوتر بينهما، بل إنها تؤسس لعهد جديد من التعاون والمنافع المشتركة على جميع الأصعدة لعقود قادمة. تعيش المملكة مرحلة اقتناص الفرص، فتركز كل جهودها على تفعيل برنامج التحول الذي تطمح بأن تعمل من خلاله مع شركائها، فتفتح لهم فرص الاستثمار الجاذبة، وتستقدم التقنيات المتقدمة التي ستحقق مصدراً هائلاً للحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتُحدث تغييراً مدروساً، ليس للعلاقات الخارجية السعودية فقط، بل لمستقبل المملكة.