هل باتت أسماء وأرقام جوالات المشتركين والمواطنين مشاعاً لكل من أراد جمعها واستخدامها؟ كيف تحولت إلى سلعة لها باعة ومشترون؟ وكيف اخترق السماسرة مكاتب الوزارات والمؤسسات وحصلوا على معلومات حسب أصحابها أن لها حرّاساً أمناء؟ وما هي قصة السمسار الذي أكد امتلاكه ل700 ألف رقم هاتف لمعلمين ومعلمات جلبها من إحدى الجهات الرسمية ليتربح ومعاونوه من بيعها؟ وأين غابت الرقابة؟ ولماذا مات ضمير الموظف الذي ائتمن على أسماء وهواتف وإيميلات شخصية لزملائه؟ وما هي الآليات الناجحة لضبط الاختراق وهواتف الكل باتت بحوزة 1000 لص؟ «المدينة» أزالت اللثام عن قضية تخطت تهديد فرد إلى إثارة حالة من الفوضى، وفتح نوافذ جديدة للربح.. الرابحون فيها باعة في حراج إلكتروني، وموظفون بلا ضمائر في إحدى الجهات، فيما الضحايا فيها بلا عدد. عسيري: الجريمة تتجاوز المحلية.. وآثارها تمتد لأمن الوطن الخبير التقني محمد العسيري قال ل»المدينة»: من اللافت قيام عشرات المواقع ببيع ملايين الأرقام المصنفة حسب المدينة والجنس والعمر التي تسهل على المستفيد منها الوصول إلى الشريحة المراد وصول الرسالة لها بأقل جهد ممكن، ويحصل من يتاجر ببيع الأرقام والبيانات على تلك المعلومات بطرق عدة، منها عبر إدارات شؤون الموظفين في جهات مختلفة، حكومية وخاصة، ومن مزودي خدمة الرسائل القصيرة، كما يمكن الحصول على الأرقام والمعلومات عبر مواقع الإنترنت والاستبانات المزيفة، التي يقوم البعض بإنشائها بهدف جمع أكبر قدر ممكن من بيانات المستخدمين لبيعها بعد ذلك، ويتمحور الهدف من جمع تلك المعلومات حول التجارة والربح في المقام الأول، فجمع آلاف الأرقام ليس بالأمر المتعب، وهناك سوق رائجة للتكسب من خلف هذه العملية. وكذلك التجار، بإمكانهم اليوم بعد الحصول على ملايين الأرقام الوصول إلى المستفيد بأقل الأسعار، فعندما يصرف 10 آلاف ريال للوصول إلى مليون مستخدم بضغطة زر، أفضل من صرف 100 ألف لتصل إلى 10 آلاف فقط عبر الإعلانات التقليدية. وأشار عسيري إلى الخطر الذي يهدد خصوصية المجتمع من جراء بيع الأرقام، بل يتجاوزها لمساعدة الفئات الضالة في بث ما يسيء للوطن. أين الحلول؟ وعن الحلول قال عسيري: على عاتق المؤسسات الحكومية والخاصة حماية بيانات الموظفين والعملاء، مشدداً على ضرورة فرض السياسات والأنظمة التي تكفل حق الحماية للجميع من جشع تجار الإعلانات وعلى مستوى هيئة الاتصالات، يجب على هيئة الاتصالات التصدي لهذه الإعلانات المزعجة، خاصة أن ملايين المستخدمين يعانون منها بشكل يومي، وشركات الاتصالات هي الرابح الأكبر من هذه الرسائل، خاصة أن عبر كل رسالة مزعجة تصل إلى المستخدم لشركات الاتصالات فيها ربح مادي وفير، وربما لذلك لا تقوم شركات الاتصالات بمنع هذه الرسائل. أرقام للبيع والمصدر «وزارة» اتصال هاتفي من محرر «المدينة» لأحد السماسرة بموقع للبيع الإلكتروني فجّر القضية، حيث طلب المحرر شراء مليون رقم سعودي محدد بالجنس والمنطقة والعمل. ولم يدر بخلده أن الإجابة جاهزة والسلعة موجودة، كما لم يتخيل أن هذه المعلومات الغالية تباع بسعر زهيد.. المفاجأة كانت في رد السمسار الذي أكد بثقة أن كلفة ال10 ملايين رقم جوال سعودي 1500 ريال وأنه سوف يرسلها قبل تحويل المبلغ عبر ملف مضغوط إلى الإيميل، وعن سبل حصوله على هذه الأرقام قال إنه اشتراها قبل فترة من أحد الأشخاص ونظراً لما شاهده من كثافة الطلب على «داتا الأرقام» قام باعادة تسويقها وبيعها عبر مواقع التسويق بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وبالاتصال بآخر بذات الموقع قال إنه على استعداد لمنحه 700 ألف رقم لمعلمات ومعلمين في قائمة واحدة و50 ألف إيميل بمبلغ 900 ريال تحول إلى حسابه الشخصي قبل إرسال الملف عبر الإيميل. لم يكتفِ محرر «المدينة» بسمسار البيع وسعر السلعة، بل أراد الكشف عن مصدر الأرقام وكيف يأتي هؤلاء بها وما هي درجة موثوقيتها لتداهمه الصفعة الثانية بأن جميع الأرقام والإيميلات صحيحة وأن مصدرها إحدى الوزارات، وأنه قام من قبل ببيعها لأكثر من شخص ولم يجد أي شكوى من عدم صحة القوائم، ليس هذا فقط، بل إن قوائم الموظفين الحكوميين التي طلبت منه متوفرة لديه، ولكنه غير متأكد من دقة القوائم، لأنها جمعت حسب قوله من مصادر عدة وبسؤاله عن قيمتها قال لن تتجاوز 900 ريال لأنها قوائم كبيرة وإن لم تكن دقيقة. للحكاية مفاتيح لم يكن السمساران اللذان أفصحا عن المعلومات هما فقط بطلا موقع البيع الإلكتروني الملغوم، فإطلالة لدقائق تنقلك إلى عشرات الإعلانات «المتبجحة» التي تخرج لسانها لكل رقيب أبرزها «داتا أرقام جولات سعودية» و»قواعد وبيانات أرقام سعودية» و»أرقام جوالات بالرياض.. وجدة» والمناطق الكبرى الأخرى بالمملكة، ليس هذا فقط، بل زادت المواقع تبجحاً بأن أفردت مساحة ذات عنوان عريض لبيع المعلومات و»الداتا»، ممتلئ بالأرقام السعودية محددة بالمناطق الجغرافية بالمملكة. فكم شخصاً اشترى الملف المضغوط من هذا السمسار أو ذاك؟ وكم ربح هؤلاء من أسماء الناس وهواتفهم؟ ولماذا تم إفساح المجال لتلك التجارة المشبوهة؟ وكيف تغافلت أعين الرقباء عن هذه الإعلانات المتبجحة وجسورها الواضحة، والتي يمس تهديدها خصوصية المواطن، وربما أمنه؟ «الاتصالات»: نتطلع إلى توسيع دائرة الرقابة لضبط هذه الممارسات عادل أبو حيمد، المتحدث الرسمي باسم هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، قال إن الهيئة تتعاون مع الجهات ذات العلاقة وتشارك معها في ضبط المتاجرة بأرقام المواطنين، وتتطلع الهيئة في الفترة القادمة لتوسيع دائرة الرقابة والتفتيش لديها لضبط هذه الممارسات، أما بشأن العقوبات فمتى ثبتت مخالفة ما فيتم إحالتها إلى لجنة النظر في مخالفات نظام الاتصالات، وهي الجهة المخولة نظاماً بإصدار العقوبات (الغرامات) بحق المخالفين. ويضيف: الأصل أن يحافظ الشخص- أياً كان- على المعلومات الشخصية والخاصة، وألا يتم تداولها مع الغير إلا في الحالات التي تستدعي ذلك، وفي شأن ما ذكر إن تعرضت معلومات شخص ما للتسرّب والنشر فإن كان ذلك عبر وسائل التقنية المختلفة، فإن ذلك يعد مخالفة لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية، ويحق لمن لحقه ضرر من ذلك تقديم بلاغ للجهات المعنية بشأنه وفق الطرق المتاحة لذلك، هذا بشكل عام، وبالنسبة للهيئة فإن سرية وخصوصية معلومات العميل مصونة ولا يجوز الكشف عنها دون مسوغ نظامي، وتجاوز ذلك يعتبر مخالفة لأنظمتها تستلزم العقوبة متى ثبتت بحق من ارتكبها. قانوني: الأمن يتعقب الجرائم الإلكترونية.. وعقوباتها في 3 مواد المحامي عبدالكريم القاضي قال ل"المدينة": إن الجريمة الإلكترونية هي كل جريمة تحصل بواسطة الحاسوب أو الأجهزة الذكية وهدفها اختراق الشبكات أو الاعتداء على خصوصيتها كجريمة نسخ المعلومات وسرقتها والاستيلاء على قاعدة البيانات الخاصة بالاعتداء على المواقع الحساسة لافتا إلى أن الأجهزة الأمنية تتعقب مثل تلك الجرائم وتكافحها بشكل تام وتحافظ على حرية الأشخاص بما يحفظ أمن الدولة بمعناها العام الواسع والذي يؤثر في الأفكار والملكيات ومحاربة نشر الأفكار الخاطئة، والتي تنزع الثقة بين الفرد وحكومته وخصوصيته. عقوبات في 3 مواد: وعن العقوبات قال القاضي إن النظام فرض عقوبات متدرجة على الجرائم المعلوماتية، وذلك في عدد من المواد، هي: المادة الثالثة يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص يرتكب أيا من الجرائم المعلوماتية ومنها التصنت على ما هو مرسل عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي دون مسوغ نظام صحيح أو التقاطه أو اعتراضه والدخول غير المشروع لتهديد شخص أو ابتزازه، لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، ولو كان القيام بهذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعاً. وكذلك الدخول غير المشروع إلى موقع إلكتروني، أو الدخول إلى موقع إلكتروني لتغيير تصاميم هذا الموقع، أو إتلافه، أو تعديله، أو شغل عنوانه وأيضاً المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها والتشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة. المادة الرابعة يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 3 سنوات وبغرامة لا تزيد على مليوني ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل شخص يرتكب أيا من الجرائم المعلوماتية كالاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو على سند، أو توقيع هذا السند، وذلك عن طريق الاحتيال، أو اتخاذ اسم كاذب، أو انتحال صفة غير صحيحة. و الوصول دون مسوغ نظام صحيح إلى بيانات بنكية أو ائتمانية، أو بيانات متعلقة بملكية أوراق مالية للحصول على بيانات، أو معلومات، أو أموال، أو ما تتيحه من خدمات. المادة الخامسة يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على أربع سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص يرتكب أيا من الجرائم المعلوماتية الآتية: * الدخول غير المشروع لإلغاء بيانات خاصة، أو حذفها، أو تدميرها، أو تسريبها، أو إتلافها أو تغييرها، أو إعادة نشرها. وإيقاف الشبكة المعلوماتية عن العمل، أو تعطيلها، أو تدمير، أو مسح البرامج، أو البيانات الموجودة، أو المستخدمة فيها، أو حذفها، أو تسريبها، أو إتلافها، أو تعديلها. * إعاقة الوصول إلى الخدمة، أو تشويشها، أو تعطيلها، بأي وسيلة كانت. فيسبوك يواجه فضيحة تسريب بيانات 50 مليون مشترك على المستوى العالمي وفي سياق مشابه، تواجه شركة فيسبوك منذ الأسبوع الماضي فضيحة كبرى تتعلق بتسريب بيانات نحو 50 مليون مشترك على شبكتها الاجتماعية الأشهر في العالم، وذلك بعد الكشف عن استخدام شركة البيانات «كامبريدج أناليتيكا»، التي عملت مع حملة ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، معلومات شخصية عن 50 مليون مستخدم من مستخدمي فيسبوك، وذلك بهدف بناء نظام للتنبؤ والتأثير على خيارات الناخبين الأمريكيين في صناديق الاقتراع، وفقاً لتحقيقات نشرتها «نيويورك تايمز» وجريدة «الأوبزرفر» البريطانية، وهو ما دعا النائب العام في ولاية ماساتشوستس الأمريكية إلى فتح تحقيق موسع في تلك القضية. ومن جانبها أعلنت فيسبوك الجمعة قبل الماضي عن منع شركة البيانات المذكورة من استخدام منتجاتها بسبب ما قالت إنه انتهاك لسياسات الاستخدام، ووفقاً للتحقيق الذي نشرته الأوبزرفر فإن شركة البيانات وظفت أستاذا بجامعة كامبريدج لتطوير تطبيق يمكنه الحصول على المعلومات الشخصية للناخبين الأمريكيين من مستخدمي فيسبوك. وفي تعليقه على الفضيحة، كتب مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوك» في منشور له يوم الأربعاء الماضي إن «الشركة ارتكبت أخطاء، وينبغي علينا أن نتحرك».. مضيفا: «إن شبكة التواصل الاجتماعي تعتزم إجراء تحقيق يتعلق بتطبيقات على منصتها، وتقييد وصول المطورين للبيانات، وتوفير أداة للأعضاء تُيَسر لهم منع الوصول لبياناتهم على «فيسبوك». وفي تصريحات له نشرتها شبكة «سي.إن.إن» قال زوكربرج حول ما جرى من تسريب بيانات المستخدمين: «هذه خيانة أمانة كبرى، أشعر بالأسف لحدوثها، وعلينا مسؤولية أساسية تتمثل في حماية بيانات الأشخاص»، وأضاف: «إن شركة «فيسبوك» ملتزمة بمنع التدخل في انتخابات التجديد النصفي بالولايات المتحدة في نوفمبر وفي انتخابات الهند والبرازيل، وإنه مستعد لأي لوائح حكومية إضافية، مبديا استعداده للشهادة أمام الكونجرس الأمريكي إذا تطلب الأمر ذلك. انتهاك خصوصية المستخدمين ونفى مسؤولون تنفيذيون في فيسبوك أن ما أطلقت عليه وسائل الإعلام «فضيحة تسريب بيانات» يمثل انتهاكاً لخصوصية المستخدمين، وقالوا إن حماية معلومات المستخدمين هي من أساس عمل الشركة، وأضافوا أنه إذا كانت تقارير استغلال بيانات المستخدمين لتوجيه الناخبين صحيحة فإن ما حدث هو إساءة استخدام لمنتجاتنا، وإنها حصلت على شهادة من الأطراف المتورطة في القضية بأنهم حذفوا جميع البيانات المعنية. وتواجه نفس الشركة «كامبردج أناليتيكا» في المملكة المتحدة تحقيقا من قبل البرلمان والهيئات التنظيمية الحكومية في اتهامات تتعلق بانتهاك خصوصية المستخدمين، وذلك للتأثير على المصوتين في حملة «بريكست» لخروج الممكلة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وقال أحد مؤسسي «كامبريدج أناليتيكا» إن الشركة تمتلك «ترسانة من الأسلحة» في حرب المعلومات التي يشهدها العالم، وقال بالنسبة للشركة القواعد لا تهم، هي حرب وكل شيء مباح، وهو ما دفع الشركة للحصول على بيانات عن 50 مليون ناخب أمريكي من مستخدمي فيسبوك دون إذنهم. وتمثل فضيحة تسريب بيانات المستخدمين مثالاً آخر على الاستخدام السيئ لمنصة فيسبوك من قبل الآخرين والتنصل عن مسؤولياتها في مواجهة ذلك، في الوقت الذي لا تزال الشركة تعاني من ضغوط كبيرة بشأن استغلال منصتها في ترويج الأخبار المضللة. تسريب بيانات الناخبين وفتح المدعي العام في ولاية ماساتشوستس التحقيق في قضية تسريب بيانات الناخبين، وقال أعضاء في الكونجرس الأمريكي أن الفضيحة تستدعي الحديث عن الحاجة إلى لوائح جديدة، ودعا أعضاء آخرون إلى مثول مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك للإدلاء بشهادته في مجلس الشيوخ الأمريكي. وعلى إثر تلك الفضيحة انخفض سهم فيسبوك بنسبة 8% يوم الاثنين الماضي، وذلك بعد الكشف عن فضيحة تسريب بيانات الناخبين الأمريكيين من مستخدمي الشبكة الاجتماعية، وهو ما قلص القيمة السوقية لفيسبوك إلى نحو 43 مليار دولار أمريكي، لتخسر الشركة نحو 27 مليار دولار من قيمتها السوقية، في الوقت الذي مازالت تجري فيه تحقيقات موسعة حول الملابسات التي ربما جمعت فيها بيانات على فيسبوك أو استخدمت بطريقة غير قانونية.