الاختلاف بين البشر سُنّة الله في خلقه، يُوضِّح هذا قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة: 48).. (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود: 18، 19). وفعل «اختلف» الأكثر تواترًا في القرآن الكريم، ورد في صِيغٍ متعدّدة: في الماضي مفردًا وجمعًا يقول تعالى: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة: 213)، (وما كان النّاس إلاّ أمّة واحدة فاختلفوا) (يونس: 19).. في المضارع مع المخاطب الجمع قال تعالى: (ثمّ إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) (آل عمران: 55).. ومع الغائب الجمع، قال تعالى: (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) (البقرة: 113).. كذلك استعمل الفعل في صيغة المبنى للمجهول مرّة واحدة قال تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه) (هود: 110). والاختلاف المذموم الذي نهى عنه الدين ليس هو اختلاف الأفهام حول معاني آياته، كما وقع بين الصحابة، وإنّما هو الاختلاف على الدين، هل هو من عند الله أم لا؟!. ويرجع الاختلاف في الفهم إلى: طبيعة عقول المكلفين أنفسهم، وطبيعة النصوص التكليفية، وطبيعة اللغة العربية التي جاءت بها هذه النصوص، والتطوّر المستمر للعقل البشري، فما يستوعبه العقل البشري في عصر لاحق قد لا يستوعبه العقل البشري في عصر سابق ؛ لذا فإنّ الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُفسِّر سوى بعض آيات القرآن الكريم، لأنّه إن فسّره لن يستوعبه الناس في زمنه، وما يليه، فلقد حوى القرآن الكريم على حقائق علمية كثيرة في خلق الإنسان، وفي خلق الكون، وتمّ اكتشاف بعضها، أو التوصل إليه، ولكن لا يزال الكثير لم يتم التوصّل إليه بعد، فالمفسّرون الأوائل فسّروا القرآن الكريم، وفق ما وصل إليه العقل البشري من فهم في عصورهم، ووفق المعطيات العلمية والفكرية والاجتماعية المتوفرة لديهم في عصورهم ومجتمعاتهم، فهم أدّوا ما عليهم، ولكن لا يعني هذا أن نتوقف عند أزمانهم وأفهامهم، ونعتبر كل ما قالوه وفهموه، ونقلوه هو عين الصواب، ويُتهم بالكفر والزندقة والعمالة للغرب، ومخالفة السلف الصّالح، وتفسير القرآن اتباعًا للأهواء، كل من يُبيِّن تلك الأخطاء من خلال إعادة قراءته للقرآن الكريم طبقًا: لسياق الآيات ودلالاته، وتطور العقل البشري، وما توصل إليه من اكتشاف الكثير من الحقائق العلمية والفكرية، وما ترتب عليهما من تطوّر فكري وعلمي واجتماعي وحضاري، وكذلك وفق الكم الهائل من المعلومات المتوفرة في عصرنا هذا عن آراء وأقوال السابقين لنا في مختلف العصور والأماكن، والتي لم تكن متوفرة في عصور السابقين لنا، كل هذا يوضح لنا ما غمض فهمه على السابقين لنا، مع تنقية كتبهم ممّا تسرّب إليها من الموضوعات والإسرائيليات، كالقول: إنّ الأرض محمولة على قرن ثور، أو على ظهر الحوت، فللأسف يوجد مِنّا مَنْ لا يحترم الاختلاف، ولا يلتزم بقواعده وآدابه. للحديث صلة.