هكذا وبتسلل علمي اقتصادي سريع ودقيق أجاب المهندس نظمي النصر على سؤال طرحته «المدينة» عن كيفية استفادة المجتمع السعودي من «كاوست» ونتائج الأبحاث العلمية التي أجرتها المملكة. يقول النصر: هذه هي السنة التاسعة للجامعة.. وتسع سنوات في عمر الجامعات، لا يمكن القياس عليها، فهناك جامعات أسست ولم تبدأ الاستفادة الكاملة منها إلا بعد عقود. مع ذلك، يقول النصر - فإننا لم نركن لذلك، وركزنا منذ السنة الأولى على الانتقال المتأني من مرحلة لأخرى ضمن ثلاث مراحل جاءت على النحو التالي: أولاً مرحلة ما بعد الافتتاح وما يتبعها من تهيئة الجامعة أو البنية الأساسية للأبحاث، وهذه مسألة مهمة للغاية إذا علمنا أن الجامعة متخصصة في منح الماجستير والدكتوراة، وهذه المسألة تتطلب عقولًا نابغة، ومراكز أبحاث عالمية ومناخًا محفزًا للإبداع والابتكار.. ثم بناء المدينة الجامعية المتكاملة التي تستوعب سكان الجامعة من الطلاب والأساتذة وعوائلهم. ثانيًا: مرحلة بدء البحث العلمي، وهي أهم مرحلة لأنها تستهدف الولوج للأبحاث وبدء الإنتاج إلى التوصل إلى نتائج. ثالثًا: مرحلة الخروج بهذه الأبحاث إلى خارج الجامعة.. ويتبع ذلك بالضرورة ما يلي: أ- تخريج العقول وهم الطلاب الذين يحملون الدكتوراة.. ومن ثم فإن كل خريج لدينا هو مشروع عالم كبير. ب_ البحث الذي أجرته الجامعة وقياسات الجودة فيه بحيث يكون بحثًا عالميًا. ج- تحويل الأبحاث والاكتشافات إلى مشاريع اقتصادية تجارية، بحيث تكون الجامعة جزءًا من منظومة اقتصاد المعرفة في مرحلة التحول الوطني. -ماذا أنجزنا على صعيد الإنتاج؟ جاهزون للرد على كل الأسئلة، ولا خطوط حمراء، بل إنه من الواجب علينا أن نصل لكل مواطن ليعرف ماذا يحدث في الجامعة.. ويمضي قائلًا: إن جودة البحث هي أهم مقياس، والجودة هنا تقاس بمدى رجوع علماء العالم إليه - إلى هذا البحث أو ذاك- والواقع أن مستوى الجودة لدينا ارتفع بشكل عالمي لافت.. وكنا نفطن لذلك، لأن المسألة تتعلق بعدد العلماء الذين يرجعون إلى أبحاثنا.. وفي ذلك نقول إنه في العامين 2015 و2016 أخذنا المرتبة الأولى على مستوى العالم.. وهذا لم يأت من فراغ. وتمكنت الجامعة من حصد 8 مراكز من 50 مركزًا لأهم خمسين عالما في العالم بمعدل 16 في المئة من القائمة. كما أن 60 في المئة من خريجي كاوست الأوروبيين والأجانب حملة الدكتوراة رفضوا مغادرة المملكة، مؤكدين أنهم وجدوا البيئة المناسبة للإبداع والابتكار.. وكل هؤلاء يدعمون علماء وأكاديميي المملكة في الجامعات السعودية. وبالإضافة لذلك أسسنا 35 شركة ناتجة من وعن أبحاث تحولت إلى براءات اختراع في البداية ثم شركات يقوم عليها الآن طلاب وعلماء وأعضاء في هيئة التدريس. تسجيل المشروعات بات سهلًا في منظومة التحول لقد كانت عملية التسجيل لهذه المشروعات في السابق صعبة ومعقدة، لأنها لم تكن جزءًا من منظومة المملكة، والآن وبكل فخر أقول أصبحنا نشكل مجموعة وطنية متكاملة للمضي في التحول الوطني وصولًا لاقتصاد المعرفة. إن العملية على هذا النحو تسير بهدوء واتفاقيات تعاون مع الجامعات الرائدة في المملكة.. هذا هو أساس التحول الوطني.. عمل متواصل.. متزن ومتناسق لخلق المنظومة العلمية المتكاملة وفي المملكة .. وغدًا نجني ثمارها. إن من أجمل الأشياء أن تكون هناك عدة أطراف في إنجاز العمل، ومن هنا تأتي أهمية الشراكات التي أقمناها مع الجامعات السعودية الرائدة ومع القطاع الحكومي بوزاراته المتعددة. تفاعل مع قضايا البيئة والمجتمع لقد نجحت كاوست في تحقيق نتائج مهمة في مجالات عدة من بينها تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي ووقف الهدر المائي. وقد تمكن مركز أبحاث المياه الذي يضم 150 عالمًا من تحقيق نتائج من شأنها خفض تكلفة التحلية بالشراكة مع وزارة الزراعة والمؤسسة العامة للتحلية. كما تمكن العلماء من التوصل لنتائج ممتازة على صعيد إعادة استخدام المياه وبالتالي توفير مليارات تنفق على التحلية. ومن أهم الإنجازات كذلك تطويع النباتات بحيث تنمو وتنتج في الأراضي القاحلة. وفي مجال الطاقة تعمل الجامعة على محورين وهما ما تحت الأرض وما فوق الأرض.. ولم يفت النصر أن يؤكد عرفان الجامعة بفضل أرامكو وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، مشيرًا إلى حرص كاوست على إنشاء مركز أبحاث للطاقة لإثراء المنظومة كلها. يضيف النصر: لدينا طاقة في الشمس والرياح ضخمة للغاية وهذا هو مجال بحثنا الحالي بحيث نصل لأفضل السبل في رفع مستوى انعكاسات الشمس على الألواح الشمسية وإنتاج طاقة أكثر.. فضلًا عن التوصل لطرق جديدة لتخزين الطاقة. وفي مجال الرياح توصلت كاوست لنتائج مبهرة كذلك.. بالإضافة إلى إنشاء مركز الاحتراق النظيف ودوره الفاعل في الحفاظ على البيئة. برنامج شتوي يدفئ ساحة البحث العلمي تختتم غدًا الخميس فعاليات برنامج الإثراء الشتوي السنوي الذي بثته «كاوست» عبر قنواتها على الإنترنت لإثراء الجمهور في المملكة وتمكينه من متابعة ومشاهدة محاضرات أبرز قادة الفكر السعوديين والدوليين والمشاركة الفعلية في المقابلات وحلقات النقاش عبر صفحتها على فيسبوك وقناة يوتيوب وحساب الجامعة في تويتر. وشارك في البرنامج لهذا العام من السعودية: المهندس ناصر بن عبدالرزاق النفيسي، نائب الرئيس لشؤون أرامكو السعودية والدكتور فهد بن عبدالعزيز الشريهي، نائب الرئيس للتقنية والابتكار في سابك، والمهندس أيمن الحربي، مدير عام تقنية المعلومات ومدير مشروع المدن الذكية في الهيئة الملكية في الجبيل وينبع. وحمل موضوع هذا العام «مستقبل الإنسان والآلة». من خلال فعاليات وأنشطة تناولت المجالات العلمية والتقنية المتعلقة بعلوم الأرض والفضاء، وتحليل البيانات، وأجهزة الاستشعار، والروبوتات، والأمن البيومتري، ودراسات الدماغ البشري، والذكاء الاصطناعي وتقنيات الشبكات. كما يتم عرض مجموعة من شركات الواقع الافتراضي الناشئة من المملكة. وكان من أبرز فعاليات البرنامج لهذا العام حلقة نقاش عن التقنية والرياضة مع العداء الأولمبي السعودي عبدالله الجود، ومدربة اللياقة السعودية، أمل باعطية، أول مدربة سعودية لرياضة «الكروس فيت». كما تم استضافة معتز السليمان، رئيس الاتحاد السعودي للشطرنج الذي التقي بطلة الشطرنج العالمية سوزان بولغار وهي تلعب 10 مباريات شطرنج في وقت واحد. كنت قد نقلت لطالبة سعودية تدرس الدكتوراة في الجامعة ما يقوله البعض عن عدم شعورهم بوجود «كاوست» معهم في الأحداث الطارئة، فأجابت بثقة أبحاثنا ونتائجها تملأ العالم كله من ثول إلى سياتل! وعندما قلت إن المواطن العادي قد لا يشعر بذلك، أجابت: بحكم التخصص العلمي الدقيق، ونوعية الموضوعات التي تهتم بها الجامعة كمؤسسة للعلوم والتقنية.. ومع ذلك قالت الطالبة التي علمت أنني أتأهب للقاء الرئيس المكلف المهندس نظمي النصر، ونائبته الدكتورة نجاح العشري، ومدير برنامج الإثراء الشتوي الدكتور عمر كنيو: إسألهم عن نتائج أبحاث تحلية المياه وعن الزراعة في الصحراء وعن مرض الملاريا وعن حماية البيئة البحرية، فهذا هو ما يقرب الصورة للمواطن العادي لا المتخصص .. وقد فعلت. كيف تستفيد المملكة والمجتمع السعودي من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست»؟! الإجابة السريعة: من خلال العقول والاكتشافات والاختراعات. لكن هذا كله على أهميته لايفيد بشكل مباشر! متى يفيد؟ عندما يتحول إلى «اقتصاد» ينطلق في قطاع الأعمال، فهذه بالفعل هي البذرة الأولى لاقتصاد المعرفة.