وعلى ذات السياق المحتدم من النقاش، فقد سادت حالة من الجدل الفكري بين الأدباء والمفكرين في ذكرى ميلاد عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فمنهم من ذهب إلى القول بأنه «حامل نبراس الانفتاح والتجديد الثقافي في مصر والعالم العربي»، وآخر وجده «مثيرًا للجدل بتخطي الخطوط الحمراء تجاه الأديان السماوية»، بعد أن تطرق إليها في كتابه عن الشعر الجاهلي.. فالدكتور صلاح فضل، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ذهب في الندوة إلى القول، بأن الدكتور طه حسين كان منذ بدايته مثيرًا للجدل، لا سيما بعد كتابه «في الشعر الجاهلي»، مثنيًا على منجزه وسيرته الأدبية في طي قوله: «كان من أبرز وأندر ظواهر الثقافة العربية فى كل العصور، وتحول من رمز إلى أسطورة، تلتف حولها مع الوقت بعض الأوهام والأخطاء والمغالاة». فيما رأى الدكتور محمود الربيعي، نائب رئيس المجمع، أن «حسين» تجاوز الخط الأحمر والغلو، فيما بادر الدكتور «حسن الشافعي»، رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة إلى القول بأن «أنجب ما في العميد لغته العربية الرفافة الجميلة».. وقال الدكتور «عبدالحميد مدكور» أمين المجمع: «إن طه حسين أشبه بملحمة كبرى متعددة الجوانب، ينظر إليه كل باحث من زاويته؛ ولذلك يتوقع الخلاف عليه».. «الأربعاء» ناقش عددٌ من الأدباء والمثقفين حول ما طرح في الندوة عن طه حسين وآرائه، حيث اتفقوا جميعًا على أنها كانت في الغالب «جريئة»، غير أنهم اختلفوا في درجة تقييمهم لها، ما بين «تجاوز الخطوط الحمراء»، و»مخالفة الطرح السائد».. أبوحامد: فجّر المواقف ولم يتخط الخطوط الحمراء بدايةً يقول رئيس اتحاد كتاب مصر، «حامد أبوحامد»: «إن آراء طه حسين كانت في الغالب صادمةً، وهناك كثيرون ما زالوا يحاربونه، ويعتبرونه خارجًا عن الثقافة العربية، ويكرر أعمال المستشرقين، إلا أن ذلك لا ينفي كونه قامة لن تتكرر، تحولت إلى أسطورة بالفعل، يلتف حولها المغالون والمزايدون على الفكر والثقافة العربية». وشَدَّدَ على أن طه حسين لم يتخط أيًّا من الخطوط الحمراء، بل فجر كثيرًا من المواقف، موضحًا أن الأوضاع الثقافية لو كانت استمرت كما كانت عليه إبان فترة حياة المفكر الراحل لكان الوضع الثقافي العربي تغير بشكل إيجابي. عصفور: الحديث عنه كأسطورة «فارغ» ويستبدل الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة المصري السابق وصف «الأسطورة» ب»العبقرية» في حق طه حسين، بقوله: «إن الحديث عن طه حسين كأسطورة «فارغ»، ويجب التعامل معه على أنه عبقرية فذة، أما فيما يتصل بكتابه عن الشعر الجاهلي، فالخلاف يعتبر حول المنهج وليس التجريب، فأغلب المناهج الجديدة تواجه صدامًا في بدايتها. والمهم في فكر طه حسين هو ما وصل إليه من نتائج؛ حيث كان بمثابة بوابة للانفتاح الثقافي لمن جاء من بعده». ونَوَّه إلى أن الذين يتحدثون عن غرس «طه حسين» سلبًا، يسيرون على خطاه حاليًا، ولولا أنه فتح الطريق لهم لما استطاعوا أن يكونوا مثقفين كما هم الآن، مشددًا على أنه كسر التقاليد الجامدة التي كانت تحجر على العقول المصرية والعربية. وكذب عصفور الادعاءات بأن طه حسين نقل عن مستشرقين مثل «مرجليوث»، خاصةً أن الأخير نفسه كتب مقالة في نهاية عام 1926 أكد فيها، أنه لا علاقة بين أبحاثه وأبحاث طه حسين؛ ولكن كلاهما انتهى إلى نفس النتيجة، مما يكذب الادعاءات التي ثارت في العام نفسه. عقل: اعتمد بشكل كلي على المستشرق «مرجليوث» وعلى خلاف ما ذهب إليه الدكتور «عصفور» من نفي الصلة البحثية، بَيَّن طه حسين والمستشرق مرجليوث؛ يدعي الدكتور حسام عقل، أستاذ الأدب والنقد، وجود هذه الواشجة بينهما، بقوله: «إن الكبار عندما يقدمون منجزات كبيرة يكون لهم أخطاء من نفس الحجم، فطرح الدكتور طه حسين لقضية الانتحال في الشعر الجاهلي، والادعاء بأنه منحول من ظهور الإسلام - نقطة ضعف وعوار، خاصة أنه اعتمد بشكل كلي على المستشرق مرجليوث. كما أن طه حسين لم يكن يملك أدوات الأخير في الطرح، وبدا شديد الضعف، كما أنه حينما حدد مسارات الثقافة العربية ربطها بالأوروبية تمامًا؛ حيث قال: «نأخذ حضارتهم بخيرها وشرها وحلوها ومرها»، وهذا انبهار وتبعية وليس إنجازًا من جانب «حسين»، وذلك في كتابه مستقبل الثقافة في مصر». ولفت إلى أن كتاب «الشعر الجاهلي» زج به إلى ساحة المحاكم، بعد أن مس عقائد الناس، وتحدث عن القرآن والتوراة، زاعمًا بأن لهم احترامهم في سرد قصة سيدنا إبراهيم، ولكن لا بد من اعتماد الدليل التاريخي؛ مما أثار حفيظة الجميع آنذاك. وقال: «إن طه حسين تحول إلى أسطورة، التف حوله حَمَلة المباخر ممن يقدسون نصوصه الأدبية، ويعتبرونها فوق النقد والتحليل»، مشيرًا إلى أن التاريخ الأدبي المصري والعربي مليء بالعديد من القامات، مثل عباس محمود العقاد الذي ألّف أكثر من 100 كتاب، وعبدالرحمن بدوي. ولم يفت «عقل» أن يحصي إيجابيات «حسين»، المتمثلة - حسب وجهة نظره - في: ◄ سعيه لفرض مجانية التعليم ◄ إعادة دراسة الشعر الجاهلي وفكر «أبوالعلاء» بمبادئ جديدة ◄ أحدث نقلة في كتابه السيرة الذاتية برواية «الأيام»، والإسهامات السردية الأخرى مثل «دعاء الكروان» برغم مرور ما يقارب ال(44) عامًا على رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، إلا أن ما طرحه من آراء جريئة، طي كتابه المثير للجدل «في الشعر الجاهلي» الذي صدر عام 1926م - ظل محل مداورة ونقاش، حيث تصدى له حينها عدد من الأدباء، من أبرزهم: «مصطفى صادق الرافعي، الخضر حسين، محمد لطفي جمعة، الشيخ محمد الخضراي، ومحمود محمد شاكر»، وغيرهم، وفندوا ما خلص إليه من استنتاجات وتحليلات ملخصها في أن «الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين»، ولم يقف الأمر عند حد المساجلة الأدبية والفكرية، بل انتقلت القضية إلى أروقة المحاكم؛ حيث قاضى عدد من علماء الأزهر «طه حسين»، إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن، فعدل اسم كتابه إلى «في الأدب الجاهلي»، وحذف منه المقاطع التي أخذت عليه.